شرب البيرة
9 ديسمبر، 20053,334 زيارة الأطعمة والذبائح
السؤال :
ما حكم الشرب أو المتاجرة بما يسمى “بيرة بلا كحول أو بيرة الشعير ” علماً بأنها تحمل مسميات لمشروبات مسكرة ، لكنها تصنع الآن خالية من الكحول ، فهل يجوز شربها أو المتاجرة بها ، وما الحكم فيمن شربها على أنها خالية من الكحول ثم تبين أن فيها نسبة من الكحول ولكنه لم يسكر هل عليه إثم ومن يتحمل مسؤلية ذلك .
الجواب :
المقصود بالخمر المحرمة شرعاً هي كل ما يسكر قليله أو كثيره سواء اتخذ من عصير العنب أو التمر أو الشعير وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر ، و كل خمر حرام " (مسلم 317851) .
وحرمة الخمر ثابتة بكتاب الله ، قال تعالى : " إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " المائدة : 90-91 وبأحاديث كثيرة منها ما سبق .
وعلة حرمة الخمر هو إسكارها ، فإذا انتفى الإسكار انتفت الحرمة ، فلا ريب أن انتفاء صفة الخمر ، وحكم الحرمة ينتفي بذهاب خاصية الإسكار ولذلك اتفق الفقهاء على أن الخمر إذا تخللت أي أصبحت خلاً بنقلها مثلاً من الظل إلى الشمس أو العكس ، حل شربها لأنها أصبحت خلاً لا خمراً .
وعلى هذا فالحكم الأصلي للبيرة وغيرها الواردة في السؤال ، وهي الخالية من الكحول المسبب للسكر الحل .
لكن ينبغي ملاحظة أمرين :
الأول : ألا يكون من السهل تحويل هذه المشروبات إلى مشروبات مسكرة بأن تكون الخمر مهيأة ، وبإضافة أشياء معينة تتحول إلى خمر ، لئلا يكون رواج هذه المشروبات ذريعة لرواج المشروبات المسكرة ، وهذا إنما يقدره أهل الإختصاص، فإن قدَّر أهل الإختصاص صحة ذلك ، و رأى ولي الأمر أن هذه المشروبات قد أساء الناس شربها فحولها الكثير منهم إلى مسكرات ، فله أن يمنعها وإن كانت في أصلها حلال ، فإن من صلاحية ولي الأمر أن يقيد المباح أو يمنعه ، و قد منع الفقهاء بيع العنب لمن يتخذه خمراً .
الثاني : أن المسميات المعهود اختصاصها بالخمور المرتبطة بالفسقة المدمنين لها ، و المعهود أن أهل الصلاح لا يمسونها و لا يدخلونها بيوتهم، فإن الأولى تغيير تلك المسميات و الشكل فإن اعتاد شربها خالية من الكحول على حقيقتها و شكلها قد تجد النفس الضعيفة ما يدفعها إلى تجربة شربها مسكرة .
و على كل حال فإن هاتين الملاحظتين لبيان الأولى لكن لا تغير من حكم حل شرب ما لا يسكر ، و المتاجرة به ، و إنما هي محاذير غير مضطرة ، فقد تحدث لبعض الناس دون البعض الآخر ، و إنما يدار الحكم مع الأغلب و ولي الأمر يقدر في جميع الأحوال المصالح و المفاسد.
و أما من تناول مشروب الشعير أو هو في الأسواق و الشأن أن لا يسمح ببيع إلا ما كان مباحاً خاليا ًمن الكحول ثم تبين أن فيه نسبة مسكرة من الكحول فإنه لا إثم على من شربه لأن الأصل أنه شرب ما لا يسكر ، و ليس فيه كحول فيتعامل على نيته كمن شرب لبناً فأسكره لتخمره أو وصف الطبيب له دواء فأسكره ، فهذا يسمى سكر مباح أي سببه مباح ، و لذلك لم يوقع جمهور الفقهاء طلاق من سكر بمباح ، و إنما ارتفع الإثم عنه لعدم علمه ، أو لجهله فهو كحكم النائم و المغمى عليه و المخطئ و الناسي و المكره و قد ورد في الحديث "رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه " و يقع الإثم و المسؤولية لا ريب على التاجر و الشركة المروجة إذا كانوا يعلمون بوجود مادة الكحول بنسبة مسكرة ، و يستحق من تسبب بذلك العقوبة التعزيرية التي يقدرها القاضي .
فإن لم يعلموا أن المصنع قد ضمن مكوناته الكحول فالمسؤولية على المصنع و في جميع الأحوال فإن الجهات الرسمية المعنية مسئولة عن التحقق من عينات المشروب قبل نزوله الأسواق ، و هذا كله فيما لو كانت النسبة الموجودة في هذه الأشربة مسكرة .
و أما أن بيرة الشعير أو الباربيكان أو غيرها قد تبين أن فيها نسبة من الكحول غير مسكرة فنقول : إن نسبة الكحول غير المعهد وضعها في الشراب ، و إنما وجدت لطبيعة المشروب ،أو طول تخزينه فإن هذه النسبة لا تؤثر في الحرمة إذا لم تزد عن نسبة معينة ، وهذه النسبة ينبغي تحديدها من أهل الخبرة ، ويلتزم فيها بما تكشف عن تجارب المختصين في انتباذ التمر أو الزبيب بمثل ما كان يعمل النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد أخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كلن ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ، ثم يأمر به فيسقى أو يهراق (مسلم 358913).
وقد أجريت تجارب على هذا الانتباذ فوجد أن فيه نسبة كحول يسيرة غير مؤثرة .
وفد رجحت هيئة الأوقاف في الكويت أن نسبة خمسة في الألف نسبة لا تؤثر في الإسكار فيجوز الشرب إذا كانت فيه هذه النسبة وما دونها على أن لا تكون بفعل فاعل ، وإنما نتيجة عوامل التخزين ونحوها .
ولقد ثبت أن العصائر الموجودة في الأسواق لا تخلو من نسبة من الكحول قد تفوق ما في شراب الشعير أو الباربيكان فيلزم من تحريم الأخير تحريم جملة أن لم يكن سائر العصائر المتداولة وفي ذلك من العسر ما لا يقبله ديننا ، وما زال المسلمون يشربون ما فيه نسبة ضئيلة من الكحول منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الانتباذ خاصة حتى اليوم ، ومقياس الحل والحرمة هو الإسكار في الكثير لقوله صلى الله عليه وسلم :"كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام " (مسلم3/1587) وقوله صلى الله عليه وسلم "ما أسكر كثيره فقليله حرام "(ابن ماجة 2/1125) حديث صحيح.
ولما كان الكثير فيما فيه أكثر من تلك النسبة 0.5% لا يطيق شربه إنسان حتى يسكره فالكثير إذن من شراب الشعير لا يسكر حتى يحرم قليله ، بل الكثير مما فيه نسبة 0.5% خمسة في الألف أو أقل قليلاً لا يطيق شربه أحد حتى يكون مسكراً فلا يشمله حينئذ الحديث " ما أسكر كثيره فقليله حرام" .
ومما ينبغي إضافته هنا هو كراهة أن يعتمد المسلمون على تصنيع هذه الأشربة على المصانع المتخصصة أصلاً في صنع الخمور ، لما في ذلك من إعانة لهم على المنكر شبيه بالتعامل مع البنوك الربوية في غير التعامل الربوي ، فإنه رغم حله إلا أن فيه إعانة على المنكر .
فالأولى أن يكفي المسلمون انفسهم حاجتهم ، ولا يعينوا غيرهم إلا في حلال أو بر أو منفعة عامة.
2005-12-09
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية