شراء الأصوات
5 مايو، 20082,496 زيارة الحظر والإباحة
السؤال :
ما هو الرأي فيمن يبذل أمواله في شراء الأصوات الانتخابية من أجل الوصول إلى المجلس النيابي؟
والحكم فيمن يبيع صوته؟ وما الحكم فيمن يقول لشخص إعمل مفتاحا لي ويعطيع مبلغا كبيرا ، أو يعطيه عن كل شخص يأتي بصوته مبلغا معينا ، وماحكم من يأخذ المال على بيع صوته ولكنه لايعطي المرشح صاحب المال لأنه يقول إنه لايزكيه وإنما أخذ المال لأنه محياج وعليه ديون .
الجواب :
لا شك أن الصوت شهادة وتزكية وأمانة، والشهادة لها مكانة خاصة في الشريعة والقانون، فيجب وضع الشهادة في موضعها، ولكي يتجرد صاحب الشهادة من أي غرض فإنه لا يجوز شرعاً أن يأخذ المسلم أجراً على الشهادة، وإن كانت شهادة بحق.
ويأثم لو كتم شهادة الحق والعدل التي يترتب عليها إنصاف لمظلوم، قال تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) [الطلاق:2]، وقال تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتهما فإنه آثم قلبه) [البقرة:283]، ولا يجوز للمسلم أو المسلمة أن يشهد إلا بحق، فلا يعطى صوته وشهادته إلا لمن يعرفه معرفة واضحة، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: (يا ابن عباس: لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشمس) أخرجه الحاكم 4/98، وتكلم في أحد رواته البيهقي، ولكن معناه صحيح.
ومن يدلي بصوته لمن يعلم عدم كفاءته مع وجود الكفء فهذه شهادة زور؛ لأنها شهادة كذب ليوصل بها من لا يستحق إلى موضع ومقام خطير يتحكم فيه بمصير بلد، ويتحدث فيه نيابة عن كثيرين، بل إنه يمثل الأمة ولا يمثل نفسه، فإذا كان هذا الشاهد أو هذا الناخب قد أخذ مالاً لتوصيل هذا النائب، فإن هذه شهادة زور مركبة، جمعت بين الكذب والبهتان وأكل المال بالباطل، يأثم صاحبها إثماً عظيماً، وهي أشد عند الله تعالى من الشرك به ومن عقوق الوالدين. قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قلنا: بلى يا رسول الله، قال ثلاثاً:( الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً -اهتماماً ولبيان خطورة الثالثة - فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت) البخاري 10/405 ومسلم 1/91. وإنما اهتم النبي صلى الله عليه وسلم وكرر التحذير من شهادة الزور لما يترتب عليها من إقرار الباطل ومحاربة الحق والعدل، وإحلال الظلم والبهتان مكانهما. ولأن شهادة الزور فيمن يعطي صوته أو يبيع صوته بمال ينبئ عن نفس خبيثة وضمير مريض، فمن باع ضميره باع بعده كل شيء، فإنه لا يؤتمن على وظيفة ولا منصب، فهو على استعداد أن يبيع وطنه وأمته ودينه، وهذه صفة الخونة الجواسيس الذين باعوا وطنهم وأعراض وأموال أهليهم وعشيرتهم لعدو ظالم.
ولذلك يستحق شرعاً أقصى العقوبات التعزيرية/ ويفوض في هذه العقوبة القاضي، فقد يترتب على إعطائه صوته لخائن أو كذاب أو فاسق، أن يصل هذا إلى المنصب الخطير، فيرتكب الحماقات، ويمارس الابتزاز، ويجني من المنصب إلى جانب الوجاهة أضعاف ما دفع من مال، وذلك كله بسبب هذا الذي باع ضميره بحفنة من المال. فلو رأى القاضي سجنه وضربه، والتشهير به بين الناس وإهانته بكل وسائل وأساليب الإهانة والحجر عليه،
فكل ذلك قليل في أمره.
ولا يقل خبثاً عمن باع ضميره من اشترى هذا الضمير فدفع له المال، بل إنه أشد خبثاً منه؛ لأنه المبادر المغري بالمال ضعاف النفوس، وهو مزور، إذ طلب شهادة الزور وبذل في سبيلها المال، وبالإضافة للزور فإنه راشي ومن باع ضميره مرتش.
وعليه فقد جمع شراء الصوت وبيعه مجامع الخسائس، من الكذب والزور والتزوير والرشوة، وينبغي ألا يفلت البائع والمشتري من العقوبة. فيلزم عقوبة المشتري بأشد ممن باع، فكلاهما خائن يستحق عقوبة تعزيرية، بل إن ثبوت شراء الصوت يسقط عن المرشح منصب النيابة لو أنه فاز، فترفع عنه الحصانة النيابية، ليقدم إلى المحكمة، لأن ما بني على باطل فهو باطل، ولذلك اتفق الفقهاء على نقض الحكم القضائي إذا تبين أن الشهود قد شهدوا زوراً وكذباً، ويضمنون ما ترتب على شهادتهم من ضياع أموال أو غيرها.
وإذا ثبت قضاء أن النائب قد وصل المجلس بطريق شهادات الزور، ولو كان شاهد زور واحد لا ينقص النصاب المطلوب للفوز، فإنه يجب إسقاط عضويته، نظراً لأصل العمل لا لنتيجته. كاختلاط الحلال بالحرام، فإن الحرام يغلب الحلال، ومن سرق مرة فهو سارق، ومن قتل مرة فهو قاتل، كما يجب ألا يعطى فرصة لترشيح نفسه ثانية من باب العقوبة والردع له ولغيره.
وإن وجود مصيبة شراء الأصوات مظهر غير حضاري، بل هو مظهر غش حضاري إن صح التعبير، فإن الوصول للمجالس النيابية تمثيلاً للأمة أسلوب مقبول حضاريّاً وإسلاميّاً لتوصيل الأكفاء، وثقة بالناخب أن يمارس هذا الحق في حرية وأمانة.
وأما من يكون مفتاحا إنتخابيا للمرشح فيعمل بمقابل أو بكل واحد يأتي به يأخذ مبلغا من المال . فإن كان هذا المرشح ثقة وفي اعتقاد هذا الذي يعمل له أنه فعلا ثقة وكفاءة وصالح وأمين ولا يدفع الرشاوي فيجوز أن يأخذ مقابل عمله وأما من يأتي به بمعني يقنعه بالمرشح دون أن يقول إنه يأخذ مقابل ذلك مبلغا من المال فيجوز ، ولا يقول ذلك بعدا عن الشبهة .
وأما الذي يأخذ مقابل بيع صوته أو قل ضميره إن كان له ضمير فيأخذ المال ومع ذلك لايعطي المرشح الذي أخذ المال منه فهذا جمع الخسائس كلها بيع ضميره ، وخلف الوعد مع المرشح ، وأكل المال الحرام وبالباطل .
ونحمد الله أن شراء الأصوات ليس ظاهرة عامة، ولكنها مظهر فردي وفي نطاق ضيق، ولكن التشديد في محاربته واجب حتى لا يكبر وينتشر ويصبح -لا قدر الله- ظاهرة.
والمعنيون بمحاربته الدولة بأجهزتها المتعددة، ومجلس الأمة مسئول أيضاً أن يحمي نفسه وسمعته، فيقترح ويقر القوانين المجرّمة لهذا العمل، والمواطنون معنيون عناية خاصة في محاربة هذا الأمر، ببيان خطورته، وحجب الصوت عمن يتعاطى دفع المال، بل والتبليغ عنه ليتم التحقق، وإدانة من يثبت عليه شراء الصوت أو بيعه.وإن كان المرشح أظم إثما لأنه سببه ، إلا أن الإثم علي الآخذ عظيم أيضا لأنه المرتشي ، وكذا كل وسيط بينهما ، فكلهم ملعونون بنص حديث رسول الله "
2008-05-05
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية