السؤال :
الكلية الأوربية للدراسات الإسلامية، كلية أنشئت في أوربا، وتقتصر في القبول على المسلمين من الأوربيين، وهدفها تخريج الدعاة والعلماء، ليتحملوا مسؤولية الدعوة بين قومهم. فهل يجوز دفع الزكاة لهؤلاء الطلبة ليتموا تعليمهم، وهل يجوز دفع الزكاة للكلية القائمة على تعليمهم ورعايتهم.
الجواب :
يجوز دفع الزكاة إلى طلبة الكلية المذكورة، لوجود ثلاثة أوصاف فيهم، وصف الفقراء، والمؤلفة قلوبهم، وفي سبيل الله.
كما يجوز دفع الزكاة للمدرسة، لتغطية سائر مصاريفها الإنشائية والإدارية والمالية، وفيما يلي تفصيل الفتوى وأدلتها:
لقد حث الإسلام على طلب العلم وتدارسه فقال تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) (التوبة 122) قال القرطبي: هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم، وقال: طلب العلم فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل. (تفسير القرطبي 8/293) وقد أعلى الله منزلة العلماء فقال: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة 11)، وقال تعالى (هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون) (الزمر 9).
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم إن الخير في التفقه في الدين فيقول صلوات الله وسلامه عليه: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) (البخاري 1/164، ومسلم 2/718). وقال صلوات الله وسلامه عليه: (من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع) (الترمذي 5/29 وأعله المناوي في فيض القدير 6/124) وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص رأيه وعقله، وقال الشافعي طلب العلم أفضل من النافلة.
وبناء على هذه الأدلة وغيرها كثير، فإن طالب العلم الدارس في هذه الكلية، أو أي مؤسسة مناظرة لها، يجوز إعطاؤه من الزكاة، باعتباره مشمولاً بثلاثة مصارف أو أحدها من المصارف الثمانية الذين ذكرتهم الآية الكريمة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) فطالب العلم له في هذه الآية ثلاثة مصارف.
المصرف الأول: مصرف الفقراء، فيعطى طالب العلم بوصف الفقر، إن لم يكن قادراً على تحمل تكاليف طلب العلم، فيعطى باعتبار العلم من الحاجات الأساسية، فيعطى كفايته، وقد نص الفقهاء على أن طالب العلم المتفرغ لطلب العلم الشرعي، أو غير الشرعي مما فيه مصلحة للمسلمين، يعطى من الزكاة إذا تعارض الجمع بين طلب العلم والكسب، فيعطى قدر ما يعينه على أداء مهمته، وما يشبع حاجاته، ومنها حاجته إلى كتب العلم، التي لا بد منها لمصلحة دينه ودنياه، في حين أن المتفرغ للعبادة، وهو قادر على الكسب، فإنه لا يعطى من الزكاة ولا تحل له. لأن مصلحة عبادته قاصرة عليه، ومصلحة طالب العلم لمجموع الأمة، فمن حق طالب العلم أن يعان من مال الزكاة لأنها لأحد رجلين: إما لمن يحتاج من المسلمين، أو لمن يحتاج إليه المسلمون، وطالب العلم قد جمع بين الأمرين (المجموع للنووي 6/198).
المصرف الثاني: في سبيل الله، فيعطى طالب العلم من الزكاة من باب (في سبيل الله)، فإن هذا المصرف ليس قاصراً على محاربة الكفار بالسلاح ـ وإن كان هذا أخص معاني الجهاد والمتبادر من اللفظ ـ فإنه يشمل كل ما فيه نصرة الإسلام والمسلمين، ومحاربة أعداء الله وإعلاء كلمته، ولا شك أن الجهاد في هذا العصر وبالنظر لحال المسلمين حكومات ومحكومين، إنما يكون بالجهاد بالقلم واللسان، سواء عجز المسلمون عن الجهاد بالقوة أو لم يعجزوا، فإن سبيل الجهاد باللسان، حظه وافر وتأثيره بليغ، والإسلام دين العقل والحجة والبيان، ولا شك أن إنشاء المدارس ومن باب أولى الكليات والجامعات، وعلى الخصوص في بلاد الغرب، لتخريج الدعاة والعلماء والمتفقهة، من أخص أنواع الجهاد في سبيل الله، جهاد يحمله من أسلم من أهل تلك الديار، فتأثيرهم أبلغ وأمضى، جهاداً ثقافياً، وإعلامياً، وتربوياً.
المصرف الثالث: المؤلفة قلوبهم: نعتقد أنه لو أعطى طلبة هذه الكلية، بوصف المؤلفة قلوبهم جاز ولم يبعد، فإن هؤلاء الطلبة، منهم من هو حديث عهد بالإسلام، متشوف لتعلم دينه، ليكون إيمانه وإسلامه عن علم وفقه، فكفالته وتحمل تكاليف دراسته يعتبر حفظاً له عن التأثر بعلوم وثقافات قومه، مما قد يشوش فكره أو يعيده إلى حظيرة جاهليته الأولى.
وهو في ذات الوقت يعيش في مجتمع كثيرة مغرياته، متعددة سبل الفساد والفتنة فيه، تلاحقه في كل مكان، في أسرته، ومدرسته، ومجتمعه، فالأخذ بيده وتأليف قلبه وتثبيته على دينه، مقصد من مقاصد صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم، فيعطى من هذا المصرف.
وأما إعطاء الزكاة للكلية ذاتها: فإن الكلية تعتبر مركزاً دعوياً علمياً، يخرج الدعاة العلماء، ويدفع بهم في المجتمعات الأوربية، لإعلاء كلمة الله، ونشر دعوة الإسلام، فما دام هذا هو غرضها الأساس، فيجوز دفع الزكاة لها، وذلك بوصفه في سبيل الله لتقوم بتحقيق مقاصدها. وتصرف على سائر أنشطتها وشؤونها العلمية والإدارية، وشؤون أساتذتها وموظفيها.