حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
11 أكتوبر، 20145,318 زيارة العقيدة
السؤال :
ما هو حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسل بذاته أو غير ذلك
الجواب :
إن التوسل هو التقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح أو بطلب الدعاء من شخص آخر .ليحقق الله تعالى أمراً معيناً للطالب .
و لا خلاف بين الفقهاء في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم في عدة أمور ,:فيجوز التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه في الدنيا و قد ثبت هذا في حياته صلوات الله و سلامه عليه فكان الصحابة يسألونه الدعاء في الأمور الدينية والأخروية و قال تعالى :"و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً " .
وقد استدل المجيزون بأدلة من القرآن والسنة، وادعى بعضهم الإجماع على جوازه كـالسبكي أما دليلهم من القرآن فهو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:35].
وأما أدلتهم من السنة فكثيرة منها ما في صحيح البخاري: أن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس...، ومنها حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث: "توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم"..
ومنها حديث عثمان بن حنيف، جاء رجل أعمى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ادع الله أن يعافيني . فقال النبي صلى الله عليه و سلم " إن شئت دعوت و إن شئت صبرت فهو خير لك قال : فادعه فأمره أن يتوضأ و يدعو فيقول :" اللهم إني أسألك و أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة….إلى أن قال " اللهم فشفعه في فقام و قد أبصر " (أخرجه الترمذي 5/569و قال حديث حسن صحيح )، وابن ماجة في سننه (1385)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الحاجة، ولفظ ابن ماجة: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي قَدْ تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ"، وأحمد في مسنده (28 / 478)، والحاكم في المستدرك (1 / 313)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي؛ والبيهقي في دلائل النبوة 6/166.
و النبي صلى الله عليه و سلم يشفع لأمته يوم القيامة عند الله تبارك و تعالى .
و يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد وفاته كأن تقول : اللهم إني أسألك بنبيك أو جاه نبيك أو بحق نبيك و هذا التوسل يجيزه جمهور الفقهاء المالكية و الشافعية و الحنابلة و بعض الحنفية من المتأخرين .ومن نصوصهم الآتي :
مذهب الحنفية : في شرح فتح القدير ، لابن الهمام ، ( 3169 (لدى ذكره آداب الزيارة: " .. ويسأل الله تعالى حاجته متوسلا إلى الله بحضرة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وأعظم المسائل وأهمها سؤال حسن الخاتمة والرضوان والمغفرة " .
و مذهب المالكية :جاء في الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك ، لأبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير ، ( 2 72 ) ، لدى ذكره آداب الزيارة لقبر النبي صلّى الله عليه وسلّم -: " ... ثمّ يتوسل به في جميع مطلوباته . ثمّ ينتقل قبالة قبر أبي بكر ويقول : " السلام عليك يا خليفة رسول الله ...ثمّ يتوسل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ..,
ومذهب الشافعية : قال النووي : في آداب الزيارة قال: ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى " .المجموع شرح المهذب ، ( 8 / 257.
وجاء نحوه في كتاب ( الإقناع ، للشربيني ،1 374 )
و مذهب الحنابلة : جاء في المغني ، لإبن قدامة ، ( ج3 600 ) في آداب الزيارة تقول ... وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي فأسألك يا ربّ أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهمّ اجعله أول الشافعين وأنجح السائلين وأكرم الآخرين والأولين ، برحمتك يا أرحم الراحمين " . و ذكر المرداوي في كتاب الإنصاف تحت عنوان فوائد ما نصه (( ومنها - أي من الفوائد - يجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب وقيل يستحب )) وقد ثبت النقل عن مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل في جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم .
ويرأي الشيخ محمّد بن عبد الوهاب أن التوسل مكروه : حيث جاء من ضمن رسائله لأهل القصيم : " فكون بعضهم يرخص بالتوسل بالصالحين ، وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه ، فهذه المسألة من مسائل الفقه ، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه ، فلا ننكر على من فعله ، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ...." فتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص68 . وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين: وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
و قال ابن تيمية و بعض الحنابلة أن التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم لا يجوز أما التوسل بغير ذاته مثل الدعاء بشفاعته و كذلك التوسل بالإيمان بالنبي صلى الله عليه و سلم و بطاعته فهذا جائز بل إن منكره كافر .
و هذا هو معنى قول عمر بن الخطاب " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا ، و إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " أي نتوسل بدعائه و شفاعته لا بذاته صلوات الله وسلامه عليه . و هو معنى قوله تعالى :" و ابتغوا إليه الوسيلة " أي القربة إليه صلوات الله و سلامه عليه . قال شارح العقيدة الطحاوية في قول عمر : و إنا نتوسل إليك بعم نبينا أي بدعائه هو ربه و شفاعته و سؤاله و ليس المراد أنا نقسم عليك به أو نسألك بجاهه عندك 0
ولما سئل : هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ أجاب : الحمد لله ، أما التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته والصلاة والسلام عليه وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك مما هو من أفعاله وأفعال العباد المأمور بها في حقه فهو مشروع باتفاق المسلمين . (الفتاوى الكبرى ج1 /140)
وقال أيضا : قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي صاحبه : أنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه ، ولكن غير أحمد قال : إن هذا إقسام على الله به ، ولا يقسم على الله بمخلوق ، وأحمد في إحدى الروايتين قد جوَّز القسم به ، فلذلك جوَّز التوسل به . (الفتاوى 1 /140)
ومن أقوى مناقشات وأدلة ابن تيمية قوله : " معلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي داعيا له ولا شافعا فيه ، فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته ، بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به، فلما مات لم يتوسلوا به ، بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور ـ لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنا حتى يخصب الناس ـ ثم لما استسقى بالناس ـ قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا : كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما؟ ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند لله، فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته، وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته وقال له في الدعاء: قل اللهم فشفعه في، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع ، بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المخالف لعمر محجوجا بسنة رسول الله وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له.
والذي يظهر أن أدلة الفريقين قوية صالحة للاستدلال ولا نخطئ أحدا منهم . والله أعلم .
2014-10-11
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية