حف الحواجب
24 مايو، 20074,723 زيارة أحكام خاصة بالمرأة
السؤال :
ما هو حكم حف الحواجب، فقد اختلفت فيها الفتاوى؛ فمن المشايخ من يجيز ذلك، ومنهم من يمنع، فنرجو بيان الحكم بالتفصيل، مع بيان معنى النمص، وما هي حدوده؟
الجواب :
الفقهاء مختلفون في ذلك، وفيما يلي عرض لآراء الفقهاء، ثم الترجيح فيما بينها، مع بيان مفهوم ومعنى النمص والتنمص.
مرجع الحكم في هذه المسألة إلى ما ورد في الصحيحين وأبي داود والترمذي وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فقالت له امرأة في ذلك، فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله. قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر:7].
وأخرج أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داء).
فالمتفلجة: هي التي تفلج أسناها بالبرد ونحوه للتحسين، والواصلة: التي تصل الشعر بشعر نساء أو دواب. والمستوصلة: المعمول بها ذلك. والنامصة: التي تنقش الحاجب حتى ترقّه، وكذا قال أبو داود. وقال الخطابي وغيره: هو نتف الشعر من الوجه، والمتنمصة المعول بها ذلك. والواشمة: التي تغرز اليد أو الوجه ونحوهما بالإبر، ثم يحشى ذلك المكان بكحل، قال بعضهم: أو مداد. والمستوشمة: المعمول بها ذلك.
أما المذاهب: فقد ذهب الحنفية إلى أن المرأة إذا أخذت شيئاً من حاجبها تتزين لزوجها أن ذلك جائز، وحملوا المنع والتحريم المستفاد من اللعن في الحديث على من تفعل ذلك لتتزين للأجانب، قال ابن عابدين: (لعل الحديث محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب، وإلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه، ففي تحريم إزالته بُعد؛ لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين، إلا أن يحمل على ما لا ضرورة إليه، لما في نتفه بالمنماص من الإيذاء) (رد المحتار على الدر المختار 1/374).
والمعتمد عند المالكية جواز حلق شعر المرأة ما عدا شعر رأسها، ومن ذلك النمص، وحملوا الحديث على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها، كالمتوفى عنها زوجها، والمفقود زوجها (الفواكهة الدواني 2/315).
وذهب الشافعية إلى جواز الأخذ من الحاجب المحسن للمرأة إذا كان بإذن زوجها، (تحفة المحتاج في شرح المنهاج 1/129). لكن قال النووي -من أئمة الشافعية- في شرح الحديث: هذا الفعل حرام، إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل تستحب (صحيح مسلم 14/106، ودليل الفالحين 4/495).
ويمكن أن يسند قول الجمهور ما رواه مسلم في صحيحه عن بكرة بنت عقبة أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن الحناء؛ فقالت: شجرة طيبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاف، فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي.
وذهب الحنابلة وابن حزم وبعض الفقهاء إلى حرمة حف الحواجب لظاهر الأحاديث الوارد فيها اللعن، واللعن لا يكون إلا لمحرم.
وقد ذهب ابن الجوزي من الحنابلة إلى جواز النمص، وحمل الحرمة على غير الظاهر، قال: (ظاهر هذه الأحاديث تحريم هذه الأشياء التي قد نهي عنها على كل حال، وقد أخذ بإطلاق ذلك ابن مسعود رضي الله عنهما على ما روينا. ويحتمل أن يحمل ذلك على أحد ثلاثة أشياء: إما أن يكون ذلك قد كان شعار الفاجرات فيكن المقصودات به، أو أن يكون مفعولاً للتدليس على الرجل فهذا لا يجوز، أو أن يكون يتضمن تغيير خلقة الله تعالى كالوشم الذي يؤذي اليد ويؤلمها ولا يكاد يستحسن، وأما الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج فلا أرى بها بأساً. وكذلك أخذ الشعر من الوجه للتحسن للزوج. ويكون حديث النامصة محمولاً على أحد الوجهين الأولين) (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 1/433).
ومن هذا يظهر أن الكل متفق على أن ظاهر الحديث يفيد الحرمة، إلا أن جمهور الفقهاء أولوا الظاهر بأن المراد التدليس أو أنه تزين للأجانب، أو أن النهي للمرأة المتوفى عنها زوجها أو زوجة المفقود، ولذا إذا انتفت هذه الأمور، أو كان بإذن الزوج وكان التزين له فيجوز.
والحنابلة في تقديري أقوى دليلاً، لأن اللعن الوارد في بيان أن المنهي عنه من الكبائر، وصرف ظاهر اللفظ إلى ما ذكره الفقهاء فيه تكلف وبُعد.
ولذا استشكل صاحب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" وهو من الشافعية أقوال أئمة الشافعية في المسألة، فقال: (تنبيه: هذه كلها من الكبائر، وهو ما جرى عليه شيخ الإسلام الجلال البلقيني في الأولين، وغيره في الكل، وهو ظاهر لما مر أن من أمارات الكبيرة اللعن، وقد علمت صحة الأحاديث بلعن الكل، لكن لم يجر كثير من أئمتنا على إطلاق ذلك، بل قالوا: إنما يحرم غير الوشم والنمص بغير إذن الزوج أو السيد، وهو مشكلٌ لما علمت في قصة الأنصارية، فإنه صلى الله عليه وسلم قال لها: لا، مع قولها إن الزوج أمر بالوصل، وعجيب قولهم بكراهة النمص بمعنييه السابقين مع اللعن فيه، ومع قولهم بالحرمة في غيره مطلقاً أو بغير إذن الزوج على الخلاف فيه، وأي فرق مع وقوع اللعن على الكل في حديث واحد). والإمام النووي من أئمة الشافعية حرمه كما سبق.
فرأي الحنابلة أظهر وأحوط، خاصة وأن ترقيق الحواجب من أخص أعمال الزينة في محلات التجميل النسائية اليوم، ويعمل بطريقة ملفته للنظر جاذبة، وهو لا يكاد يفارق نساء غير المسلمين المتبرجات؛ لأن من تفعله مرة تفعله كل مرة، وإلا لحقها شين.
وإنما يستثنى من الحرمة ما كان له سبب مشروع، كإزالة شين من وجه المرأة، كثخانة الحاجب حتى يشبه حاجب الرجال، فتزيل منه قدر ما يرفع التشبه، أو كان متّصلاً فيشبه حاجب بعض الرجال، وهو ملفت للنظر ومنفّر للزوج، فتزيل القدر الذي يصل بين الحاجبين. أو كان الحاجب غير مستو خلقة، فتصلح منه ما يزيل اعوجاجه مثلاً، فتجري عملية لتعديله إن احتاج لذلك. وكذا إن كان شعر الحاجب متناثراً غير متناسق، فتزيل ما تناثر منه.
وعلى العموم كل ما كان مشيناً أو ملفتاً للنظر، أو جالباً لحرج، فيسوغ للمرأة أن تأخذ من حاجبها بقدره.
ومن أخذت برأي الجمهور فعليها ألا تظهره أمام الأجانب من الرجال؛ لأن الفقهاء اعتبروه من الزينة التي لا تجوز إلا للزوج، فنص الحنفية والشافعية والمالكية على أنه زينة للزوج، وحديث عائشة رضي الله عنها السابق روايته عند مسلم يشير إلى أن الزينة إنما هي للزوج، فعلى المرأة أن تخفيه بنقابها أو حجابها.
2007-05-24
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية