الاستنساخ
27 مايو، 20072,601 زيارة الاستنساخ
السؤال :
ما هو حكم الإسلام في الاستنساخ؟
وهل يعتبر خلقاً أم هو تغيير لخلق الله؟
نرجو جواباً شافياً في هذا الموضوع.
الجواب :
الاستنساخ ليس خلقاً جديداً من الإنسان، ولا هو تغيير للصفات الوراثية، وإنما هو خلط ومزج بين الصفات على غير ما وضع الله عز وجل، وهذا واضح في عملية الاستنساخ التي تمت، فقد أخذت بويضة من الشاة الأم، واستخرجت منها النواة، ثم أخذت خلية من شاة أخرى واستخرجت منها النواة التي تحمل الصفات الوراثية، ثم وضعت هذه النواة في بيضة الشاة الأولى الأم، ثم وضعت في رحم الأم، فمن الطبيعي أن يكون الجنين يحمل ذات صفات من أخذت منها النواة ووضعت في البيضة الثانية؛ لأن النواة هي التي تحمل الصفات.
هذه العملية تم فيها الحمل والولادة دون تزاوج، فليس فيها خلقاً جديداً، بمعنى إيجاد من عدم، وإنما هو خلط أو لعب في أسباب الحمل أدى إلى هذه النتيجة، ولهذا يبقى الخلق من عدم لله تبارك وتعالى: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) [النحل:17].
ومما لا شكل فيه أن هذا إنجاز علمي خطير رهيب، يدل في الدرجة الأولى على عظمة الله الخالق المصور المدبر، ويلفت هذا الإنجاز النظر إلى سر توجيه الله العلماء ليتفكروا في خلقه تبارك وتعالى، وأن من أعظم التفكر والتبصر التفكير في خلق هذا الإنسان، قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات:21]. ولقد انشغل الإنسان دهراً في اكتشاف ما حوله من مخلوقات في الأرض والسماء، وتأخر كثيراً في النظر والتفكر والتبصر في خلقه ذاته في نفسه، في ظاهره وباطنه وأسرار خلقه.
كما يلفت هذا الإنجاز النظر إلى حقيقة مؤداها أن الآثار الإيجابية الكبيرة إذا كان موضوعها الإنسان، فإن آثارها السلبية تكون كبيرة وخطيرة أيضاً؛ لأن هذا الإنسان بنيان الله، ركبه على أحسن صورة وأدق صنع، ولم يجعل ملكيته أو سلطان الإنسان على نفسه مطلقاً إلا فيما يعود عليه بالنفع، فحرم عليه الإضرار بنفسه، وهذه الأضرار هي من العوارض، وإذا كانت العوارض الضارة محرمة، فإن العبث والإضرار في بنيان الإنسان ذاته؛ في نظام مكوناته، في جيناته، في فطرته، يكون محرماً من باب أولى؛ لأنه عبث وإضرار في الجوهر لا في العرض، ولقد تقرر فقهاً قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار)، و: (الضرر يزال)، و: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، و: (يتحمل الضرر الخارجي في دفع الضرر العام)، وقد منعته دول ومنظمات كثيرة.
وبالنظر إلى الإضرار العلمية الطبية والشرعية المذكورة نرى أنه يحرم الاستنساخ البشري؛ بناء على أضراره الواضحة، وبناء على القواعد المذكورة.
وللاستنساخ محاذير أهمها:
1- تغيير لخلق الله بطريق اللعب بتركيب الصفات الوراثية، وفي ذلك تغيير لفطرة الله التي فطر الخلق عليها: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) [الروم:30]. ورغبة التزاوج، والاستنساخ لا تزاوج فيه، واستجابة للشيطان (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) [النساء:119].
2- امتهان لكرامة الإنسان: (ولقد كرمنا بني آدم) [الإسراء:70].
3- هدم للأسرة وللمعاني السامية والقيم الأخلاقية للأمومة وصلة الرحم، وإخلال توازن الكون في نسبة الإناث للذكور، وهي /52/ إلى /48/ منذ بدء الخليقة، إلى جانب مشاكل في المواريث والجرائم.
4- اختلاط الأنساب؛ لأن الاستنساخ لا يحترم العلاقات الأسرية والنسبية، بل إن هذا المولود ليس ابناً بالمعنى الشرعي أتى من أبوين ذكر وأنثى، وإنما نسخة ممن أخذت منه الخلية.
5- يدخل الإنسان في دائرة الغرور وإغواء الشيطان، حتى يهلكه ويدمر حياته.
6- يحدث خللاً فيما فطر الله عليه الناس، ووزع عليهم المواهب، من ذكاء وقوة ونحوها: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) [الزخرف:32].
والذي يظهر بناء على ما سبق من قواعد عامة ضابطة، ومن محاذر، أن الاستنساخ البشري غير جائز، لا لمسلم ولا لغير مسلم.
تبقى دائرة الإيجابيات لعملية الاستنساخ، من مثل:
1- معالجة بعض الأمراض الوراثية، مثل ضمور خلايا المخ الوراثي، وعمى الشبكية الوراثي والصرع، وأمراض الدم الوراثية.
فهذه الإيجابيات وإن كانت مصالح حقيقة، لكنها لا ترقى لتكون مبرراً كافياً، فهي مصالح لا تكافئ المفاسد المذكورة، وتحقيق تلك المصالح تحوطه محاذير، من مثل احتمالات التشوهات والأمراض، وحيث رجحت المفاسد وجب سد هذا الباب تبعاً للقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وقاعدة (سد الذرائع)، وقاعدة (الضرر يزال).
2- استخدامه في مجال الحيوان فإنه لا بأس به، فالحيوان مسخر للإنسان، فإن كان لمقاصد التحسين في النوع، وكذلك الإكثار من الثدييات الجيدة كالأبقار، وقد أقر الإسلامي توالد البغال لغرض تحصيل قوة الحيوان.
3- استخدامه في مجال النبات، فإنه لا بأس به لتحسين النوع وتكثيره، وقد عرف قديماً أخذ العُقَلْ الجيدة وغرسها في غيرها لتحسين نوعها.
4- الاستفادة من الاستنساخ في زراعة الأعضاء، وذلك بتجميد نسخ لذات المريض، واستخدامها عند المرض.
5- يمكن الاستفادة من الاستنساخ في بعض الأمراض المستعصية، مثل ضمور خلايا المخ الوراثي، وعمى الشبكية، والصرع، وأمراض الورم، وهذا ما زال في طور البحث والدراسة.
فهذه المصالح الحقيقية لا يوجد في الشرع ما يمنعها، فهي جائزة، بل مرغوبة ما دامت بقصد تحسين النوع وتكثيره، أو علاج أمراض مستعصية.
إلا أن استخدام التناسخ بالمعنى التام في الحيوان أو الإنسان فإنه تحوطه محاذير شرعية وقانونية وأخلاقية، حملت أصحاب الاختصاص التحذير من آثار ذلك على الإنسان والحياة والبيئة، وقد رجحت المفاسد على المصالح، خاصة فيما له تعلق بالإنسان، وعليه فإن الاستنساخ البشري غير جائز لا لمسلم ولا لغير مسلم.
2007-05-27
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية