الاستنساخ
20 فبراير، 20062,933 زيارة الطب
السؤال :
احترت في قضية الاستنساخ ، وأنا انسان متخصص في علم الوراثة وعندي عدة أسئلة :
هل الاستنساخ خلق جديد ؟ وهل الاسلام يمنع من البحث في هذا الجانب من البحث العلمي ؟ وهل الاستنساخ تمرد من الانسان على خالقه ؟ وما هي الآثار الشرعية والاضرار من موضوع الاستنساخ ؟
الجواب :
الاسلام يفتح الباب واسعا للبحث العلمي ، واكتشاف أسرار الكون والحيوان والانسان ، بل يحث على ذلك ، قال تعالى ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ) الجاثية 63 ، وقال تعالى ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات 21 ، وقال تعالى ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) العنكبوت 20 ،
فهذه الايات وغيرها كثير تحث وتطلب من الانسان والمسلم خاصة أن يعمل عقله وفكره فيما حوله من كون وخلق ليعود ذلك بأثره الايجابي على حياته المادية وسعادته النفسية ، وليتعظ من تدبره في خلق الله وعظيم صنعه ، فيؤمن ، أو يزيد ايمانه ، ولذلك خص الله العلماء ، أهل النظر والتدبر بالخشية منه لقربهم وفهمهم وادراكهم عظمة الله ، ومعاينتهم لعظيم قدرته ودقيق صنعته ، من خلال نظرهم ومعاينتهم لخلق الله في كونه المسخر لهذا الانسان .
والاسلام حين يفتح الباب واسعا يضع له الضوابط التي تضمن التوصل بالعلم الى المراد منه دون افراط أو تفريط ، ولعل من أهم هذه الضوابط : الا يتعدى العقل البشري حدوده ، فلا شأن للعقل في الغيبيات ، ولا فيما استأثر الله بعلمه ، والا يستخدم الانسان علمه فيما يضر به نفسه أو غيره ، ثم حدد الله تعالى حدود ما يحل وما يحرم ، ضمن قواعد محددة .
والاستنساخ البشري ليس خلقا جديدا ، ولا هو تغيير للصفات الوراثية ، وانما هو خلط ومزج بين الصفات على غير ما وضعها الله لها ، وهو استغلال لخلق الله حدث من نمو الخلية في البويضة . فالانسان وضع الخلية بدل الحيوان المنوي ، فأنتج بقدرة الله نسخة طبق الأصل ممن أخذت منه ، فالمادة الوراثية من خلق الله ، وهي مكونة من المواد الاربع ( أ . ث . س . ج) والله اعطانا القدرة على نقل هذه المواد من كائن الى آخر ، فما تم ليس خلقا كخلق الله ، ولكنه استخدام لما خلقه الله عز وجل .
ومما لا شك فيه أن الاستنساخ انجاز علمي خطير في بابه خطير في آثاره ، ويدل للوهلة الأولى على عظمة الله الخالق المصور المدبر ، ويلفت هذا الانجاز العلمي الى سر توجيه الله العلماء ليتفكروا في خلق الله عزوجل وفي النفس بخاصة ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) فالنظر مقصود ومطلوب وغايته التدبر وزيادة الايمان بالخالق العظيم جل شأنه .
وهذا الانجاز يلفت النظر الى حقيقة وهي أن الآثار الايجابية الكبيرة اذا كان موضوعها الانسان عظيمة وكبيرة ، فان الآثار السلبية أيضا كبيرة وعظيمة وجسمية اذا كان موضوعها الانسان ، فواجب العلماء أن يحذروا النظر السلبي في هذا المخلوق العظيم العجيب . فهذا الانسان بنيان الله ملعون من هدمه .
وهو اكرم عند الله من الكعبة المشرفة ، فواجب العلماء أن يحذروا من النظر السلبي في هذا المخلوق العظيم الذي حرم الله الاضرار به مطلقا في عضو منه أو فيه كله . واذا كانت الاضرار العرضية محرمة فان الاضرار بجوهر هذا الانسان في جيناته ومكوناته يكون محرما من باب أولى .
والاستنساخ ليس تمردا على ارادة الله وحاشا أن يتطرق الى ذهن مسلم أن الاستنساخ خروج عن ارادة الله ومشيئته ، والمؤمن مطمئن الى أن ما توصلوا اليه ، وما قد يتوصلون اليه لا يخرج عما شاء الله لهم أن يعلموه ويصل اليه جهدهم وعلمهم واكتشافاتهم . قال تعالى ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء ) البقرة 255 .
واذا توصل الانسان بهذا العلم الى ما يضره ، فانه مسئول ويتحمل آثار كسبه وضرره وأذيته لنفسه وبغيره ، وهذا كسب عقله وعمل يده ، ويتحمل فوق ذلك إثمه في الآخرة قال تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) الروم 41 ، وقال تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) الشورى 30 ، وقال تعالى ( كل نفس بما كسبت رهينة ) المدثر38، وقد اكتشف الانسان الاسلحة والغازات السامة ، وتفنن في صناعة المخدرات . فهو الذي كسب بجهده هذه الاشياء وغيرها كثير وهو الذي أضر نفسه بنفسه وكان بامكانه توجيهها للخير وعمار الارض .
كما أن الاستنساخ يدخل بحثه في دائرة الضروريات الخمس الدين والنفس والعقل والمال وهي الضروريات التي قررها الشرع ووضع لها الحدود والضوابط إذ بها قوام حياة الانسان .
وقد أحاط الشارع النسل بسياج متين من الضوابط والقواعد ، فقرر حد الزنى أو الرجم عقوبة من انتهك حرمته ، كما قرر طريقه المشروع بالزواج على وجه مخصوص وبشروط لازمة لتحقيق غاياته من اشباع الغريزة وحفظ النوع الانساني ، وفرع عن الزواج احكاما تفصيلية تحدد حقوق كل من الزوجين وحق الولد على ابيه ، كما حدد آثار المصاهرة والنسب وحقوق الاولاد وما الى ذلك .
وان النظر لموضوع الاستنساخ في هذه الدائرة يجعل معالمه الجائزة والمحرمة واضحة جلية ويضفي عليه باعتباره موضوعا، وباعتبار آثاره على الفرد والجماعة أهمية خاصة .
أما المخالفات والاضرار الشرعية المترتبة على الاستنساخ البشري فاخطرها :
1- هو هدم للأسرة التي مبناها على ارتباط الزوجين ، وما يربط الله بينهما من مودة ورحمة ، وما يلتزم به كل منهما من حسن العشرة . وتحمل مسئوليات التربية والرعاية لما قد يرزق الله به من ذرية . والاستنساخ البشري ذرية دون تزاوج بين طرفين بالطريق الذي رسمه الشرع ورتب بناء عليه الاحكام ، وهو الجماع ، وتلقيح الحيوان المنوي للبيضة ، ويهدم الاستنساخ في الوقت ذاته المعاني السامية والقيم الأخلاقية للأسرة ، لأنه يهدم معاني الأبوة والأمومة ، والرحم وغير ذلك . مما يحدث اشكالات شرعية عديدة في طبيعة العلاقة وصبغتها الشرعية بين (النسيخ ) أو الفرد النسخة وبين من ولدته وزوجها وأبناؤها ومحارمهم وغير ذلك من أمور تفصيلية مبنية على عقد الزواج وآثاره.
2- احداث الخلل في التوازن الكوني الذي أوجد الله الخلق فيه بنظام وتوازن وقدر الأرزاق فيه للإنسان ووضع أسباب تكاثره فجعل نسبة الاناث الى الذكور 52 الى 48 وهي نسبة لا تكاد تختلف منذ بدأ الله الخلق حتى اليوم . والاستنساخ عبث في هذا التوازن ، سيكون ـ لا قدر الله ـ مدمرا لحياة الانسان .
3- يؤدي الى اختلاط الانساب ، اذ الاستنساخ لا يحترم العلاقات الاسرية والنسبية ، بل لا يقيم لها وزنا ، فهو لم يبن اساسا على قيام حياة زوجية وارتباط أسري . ولا شك أن اختلاط الانساب يصادم أصلا من الاصول الضرورية التي أوجب الشارع الحفاظ عليها ورعايتها .
4- فيه اهدار لكرامة الانسان التي صانها الله تعالى ، وشرف خلقه وأعلا قدره على سائر المخلوقات فقال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم ) ، فاخضاع الانسان لهذه التجارب واللعب في جيناته واهدار الكرامة وهو استجابة للشيطان واغوائه حين قال بنص القرآن الكريم ( ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) .
2006-02-20
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية