الابتلاء عقوبة
21 فبراير، 20063,271 زيارة العقيدة
السؤال :
هل الابتلاء عقوبة من الله لعباده حتى المؤمنين ، وهل يستوي الابتلاء بالخير والشر ؟ وما هو الواجب على المسلم عند البلاء؟ وما هي حدود التوكل على الله تعالى والفرق بينه وبين الأخذ بالاسباب ؟
الجواب :
الابتلاء سنة الله في خلقه وكونه يبتلي الانبياء والصالحين كما يبتلي العصاة والكافرين قال تعالى ( ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) العنكوبت 1-2 ـ
ـ وابتلاء الله لأنبيائه والصالحين من عباده ، لا يعني تعذيبهم ، فحاشا لله أن يعذب أولياءه ، وإنما هو ابتلاء تمحيص وصقل لإيمانهم وتصفية لما قد يشوبه من شائبة . وابتلاء الله للعصاة والكافرين ، ابتلاء عقوبة ، وجزاء على ما اقترفت أياديهم ، علهم يرعوون ، أو يتذكرون فيتعظون ، فمن لم تعظه الآيات والنذر ، قد يعظه العذاب والعقاب .
ـ والبلاء كما يكون بالشدة يكون في الرخاء ، وقد يكون ابتلاء الرخاء أشد ، وأهل الايمان وحدهم يفوزون بالخير والأجر في الحالتين ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن ) مسلم رقم 2999 ، .
ـ والتوكل على الله سفينة نجاة المؤمن عند البلاء ، فمن فوض أمره الى الله ، واحتسب ما أصابه في الله ، فالله حسبه ، ومن كان الله حسيبه فاز ونجا واطمأن قلبه وسعدت نفسه وبلغ مناه ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) الطلاق 3 ، ومطلوب من المسلم أن يتوكل على الله في أمرين ، إن صدق التوكل فيهما ، فهو من المتوكلين أولياء الله وأحباءه : التوكل على الله في الرزق والأجل ، فيوقن المؤمن بأن الرازق المعطي والمانع هو الله وحده ، فقد كتب الله رزقه وأجله وهو لا يعلم من أمر نفسه ودنياه وآخرته شيئا كما ورد في الصحيح ( إن احدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم تكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل اليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بكتب رزقه ، وأجله وعمله ) متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم ( لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ) ، فقد حدد الله أجل المسلم وغير المسلم ، فلن تموت نفس إلا في يومها المحدد ومكانها المحدد في أرض أو بحر أو جو ، في يقظة أو نوم ، وأحداث الأيام الشواهد خير دليل ، والموت أفصح وأبلغ واعظ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . ولن يأتيك من الرزق إلا ما كتب الله لك ، ولن يحجب أحد عنك ما قدر الله لك من رزق قل أو كثر .
وقال صلى الله عليه وسلم ( لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدوا خماصا وتروح بطانا ) الترمذي 2345 ـ .
والتوكل على كل حال لا ينافي الأخذ بالاسباب بل الأخذ بالاسباب واجب ومن لم يأخذ بالاسباب لم يتوكل وانما تواكل وألقى بنفسه في المهالك في تلف نفسه أو ماله أو غير ذلك . والنبي صلى الله عليه وسلم كان ياخذ بالاسباب في كل شان حياته ، في الهجرة ، وفي الحروب ، وفي المعيشة ، في الشدة والرخاء . كما كان يوجه الصحابة للأخذ بالاسباب ، وهذا جلي في مواطن كثيرة ، وحين سال الأعرابي عن مطيته أين تركها قال الاعرابي : تركتها وراء الجبل ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم أعقلتها قال : لا ، تركتها وتوكلت على الله ، قال : اعقلها وتوكل ) ولو أن المسلمين توكلوا دون النظر للاسباب والأخذ بها لما تحقق لهم النصر في المعارك ، ولما ساد الاسلام وانتشر .
لكن مفهوم الاخذ بالاسباب ، لا يجوز أن يكون ملاذ المسلم بحيث يعلق به قلبه ، ورجاءه ، بل المسلم يعلق قلبه ورجاءه وتحقيق مراده بالله ومن الله عز وجل وحده ، فإن مسبب الاسباب هو الله تبارك وتعالى ، فقد يأخذ المسلم بالاسباب كلها ومع ذلك تتعطل مسبباتها ، ولا تتحقق آثارها ، وكأنها لم تكن . فمع الأخذ بالاسباب كلها المادية وغير المادية ، يبقى رجاء المسلم وقلبه في الله عز وجل ، ولا يتعلق بقوة فيه أو من غيره ، ولا من نصرة يتوقعها ، ولا من نتائج يظنها محققة لا محال . ومن اعتمد على الاسباب لم يتوكل على الله ، ومن توكل دون الأخذ بالاسباب فما توكل ، فالمتوكل من أخذ بالاسباب ثم فوض الأمر الى الله صاحب الأمر من قبل ومن بعد .
والتوكل على الله في الرزق والأجل كان يقين الصحابة رضوان الله عليهم وكانت سمتهم المميزة في حياتهم وجهادهم وصبرهم ، ولولا هذا اليقين ما خرجوا من ديارهم ولا جاهدوا عدوا ، ولا حملوا سيفا وقد قيل للإمام علي رضي الله عنه بعد أن كثر أعداؤه والمتربصون به ، الا نحرسك ؟ فقال ( حرسَ امرءاً أجله ) وقال ايضا ( إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر ، فاذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، وان الأجل جُنّة حصينة ) كنز العمال 1/88 ، عن حياة الصحابة 1/614 ، وعمر رضي الله عنه يقول ( ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب ، أو على ما أكره ، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره ) .
وعلى المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره وهذا أصل الايمان ، لا يكمل ايمان المرء حتى يوقن أن قضاء الله وقدره ماض ولن يكون إلا ما قضى الله وقدر .
ـ والتوكل صفة المؤمنين ، فمن أحسه في نفسه وعاشه في واقع حياته فهنيئا له الايمان ، قال تعالى ( انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون ) الأنفال 2 ،
ـ وشعور المسلم بأن ما أصابه من قضاء الله وقدره سعادة تورث ايمانا وطمأنية ، لذا يقول علي رضي الله عنه ( ان ـ المسلم ـ لا يجد طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ) حياة الصحابة 1/614 ، واذا وقع البلاء فهو قضاء الله وقدره ، يسلم بن المؤمن ويقول بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ( اذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ) رواه الحاكم .
واياكم والضجر والغضب من قضاء الله بما تكرهون ، فان ذلك يحبط العمل ولا يأتي بخير ، كما قال الامام علي رضي الله عنه ( من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر ، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله ) ، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( لأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن ) .
2006-02-21
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية