الحيض بعد عرفات
3 يناير، 20062,557 زيارة الحج والعمرة
السؤال :
امرأة حجت العام الماضي وأدت مناسك الحج ووقفت بعرفات تم جاءتها العادة الشهرية ولم تتمكن من طواف الإفاضة، فماذا يجب عليها في هذه الحال؟ وهل يجب أن تذهب للحج مرة ثانية؟
الجواب :
طواف الإفاضة فرض وركن من أركان الحج لقوله تعالى : "وليطوفوا بالبيت العتيق" (الحج : 30) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين صفية ينت حيي رضي الله عنها لما حاضت : "أحابستنا هي" قالوا إنها قد أفاضت، قال : "فلا إذن (البخاري 58/13 ومسلم 2/964) فهذا الحديث يدل على أن طواف الإفاضة ركن لابد منه.
وما دامت قد أدت الوقوف بعرفات والحمد لله، فقد تم حجك، ويجب عليك عند جمهور الفقهاء عدا الحنفية أن تبقي على إحرامك حتى تطهري ثم تطوفين، ولا يصح الطواف مع الحيض ولك أن تسافري وترجعي، وقال الحنفية يصح الطواف مع الكراهة التحريمية وتأثمي وعليك بدنة في أي وقت تتيسر فيه ظروفك، فتطوفين طواف الإفاضة، وعلى رأي الجمهور لا يكفي عن أداء الطواف شيء من كفارة، أو دم؛ لأنه ركن والركن لا يجزئ عنه البدل – وأما طواف الوداع وهو واجب عند جمهور الفقهاء عدا المالكية قالوا : إنه سنة ويسعها ويمكنها أن تسافر دون أدائه، واستدل الجمهور بأمره صلى الله عليه وسلم: "الناس أن يكون الطواف آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" (البخاري 2/179 ومسلم 4/93) والمالكية استدلوا بالحديث ذاته، قائلين : لو كان واجباً لما جاز للحائض تركه دون فداء.
ومن شروط طواف الوداع الطهارة من الحيض والنفاس فلا يجب عليهما وليس عليهما دم في تركه.
وللإمام ابن تيمية ترجيح آخر قال : لو قدمت المرأة حائضاً لم تطف بالبيت، لكن تقف بعرفة، وتفعل سائر المناسك كلها مع الحيض إلا الطواف، فإنها تنتظر حتي تطهر ان أمكنها ذلك ثم تطوف، وإن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من قول العلماء، ولقد أسند ابن تيمية هذا القول بأدلة وأسهب في شرحها نذكرها ملخصة من كلامه قال ابن تيمية :
ليس في المناسك ما تجب له الطهارة إلا الطواف باتفاق العلماء، ثم تنازع العلماء في الطهارة هل هي شرط في صحة الطواف، كما هي شرط في صحة الصلاة. أم هي واجبة إذا تركها جبرها بدم، كمن ترك الإحرام من الميقات، أو ترك رمي الجمار، أو نحو ذلك؟ على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد.
أشهرهما عنه : وهي مذهب مالك، والشافعي، أن الطهارة شرط فيها، فإذا طاف جنباً أو محدثاً أو حائضاً ناسياً أو جاهلاً، ثم علم أعاد الطواف.
والثاني : أنه واجب، فإذا فعل ذلك جبره بدم : لكن عند أبي حنيفة الجنب والحائض عليهما بدنة، والمحدث عليه شاة.
وأما أحمد فأوجب دماً، ولم يعين بدنة، ونص في ذلك على الجنب إذا طاف ناسياً فقال في هذه الرواية : عليه دم. فمن أصحابه من جعل الروايتين في المعذور خاصة، كالناسي، ومنهم من جعل الروايتين مطلقاً في الناسي والمتعمد، ونحوهما.
والذين جعلوا ذلك شرطاً احتجوا بأن الطواف بالبيت كالصلاة، كما في النسائي وغيره عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله قد أباح لكم فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير" وهذا قد قيل إنه موقوف على ابن عباس، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يطوف البيت عريان".
فما ثبت بالنص من إيجاب الطهارة في الطواف متفق عليه، وأما ما ثبت باللزوم من كون ذلك شرطاً فيه كالصلاة، ففيه نزاع، فإن حاضت قبل طواف الإفاضة فعليها أن تحتبس حتى تطهر وتطوف إذا أمكن ذلك، وعلى من معها أن يحتبس لأجلها إذا أمكنه ذلك، ولما كانت الطرقات آمنة في زمن السلف، والناس يردون مكة، ويصدرون عنها في أيام العام، كانت المرأة يمكنها أن تحتبس هي وذو محرمها، حتى تطهر ثم تطوف، فكان العلماء يأمرون بذلك.
وأما هذه الأوقات، فكثير من النساء أو أكثرهن لا يمكنها الاحتباس بعد الوفد، والوفد ينفر بعد التشريق بيوم أو يومين، أو ثلاثة، وتكون هي قد حاضت ليلة النحر، فلا تطهر إلى سبعة أيام، أو أكثر، وهي لا يمكنها أن تقيم بمكة حتى تطهر؛ إما لعدم النفقة، أو لعدم القافلة التي تقيم معها، وترجع معها، ولا يمكنها المقام بمكة لعدم هذا أو هذا أو لخوف الضرر على نفسها ومالها في المقام.
فهذه "المسألة" التي عمت بها البلوى، فهذه إذا طافت وهي حائض وجبرت بدم أو بدنة أجزأها ذلك عند من يقول : الطهارة ليست شرطاً، كما تقدم في مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والأولى فإن هذه معذورة، لكن هل يباح لها الطواف مع العذر هذا محل النظر وكذلك قول من يجعلها شرطاً: هل يسقط هذا الشرط للعجز عنه، ويصح الطواف؟ هذا هو الذي يحتاج الناس إلى معرفته.
فيتوجه أن يقال : إنما تفعل ما تقدر عليه من الواجبات، ويسقط عنها ما تعجز عنه، فتطوف، وينبغي أن تغتسل – وإن كانت حائضاً – كما تغتسل للإحرام، وهوأولى، وتستتفر كما تستتفر المستاحضة، وهو أولى وذلك لوجوه :
أحدها : أن هذه لا يمكن فيها إلا أحد أمور خمسة : إما أن يقال : تقيم حتى تطهر وتطوف، وإن لم يكن لها نفقة ولا مكان تأوي إليه بمكة.
وإما أن يقال : بل ترجع غير طائفة بالبيت وتقيم على ما بقي من إحرامها، إلى أن يمكنها الرجوع، وإن لم يمكنها بقيت محرمة إلى أن تموت.
وإما أن يقال بل تتحلل كما يتحلل المحصر، ويبقي تمام الحج فرضاً عليها تعود إليه كالمحصر عن البيت مطلقاً، لعذر، فإنه يتحلل من إحرامه، ولكن لم يسقط الفرض عنه بل هو باق في ذمته باتفاق العلماء.
وإما أن يقال : من تخاف أن تحيض ولا يمكنها الطواف طاهرة لا تؤمر بالحج، لا إيجاباً ولا استحباباً فلا يحججن، ثم إذا قدر أن الواحدة حجت فلا بد لها من أحد الأمور الثلاثة المتقدمة، إلا أن يسوغ لها الطواف مع الحيض.
ومن المعلوم أن الوجه الأول لا يجوز أن تؤمر به، فإن في ذلك من الفساد في دينها ودنياها ما يعلم بالاضطرار أن الله ينهى عنه، فضلاً عن أن يأمر به.
والوجه الثاني : كذلك لثلاثة أوجه :
إحداها : أن الله لم يأمر أحداً أن يبقى محرماً إلى أن يموت، وشريعتنا لا تأتي بمثل ذلك، فالمحصر بعدو أو مرض أو فقر له أن يتحلل باتفاق العلماء.
الثاني : أن هذه إذا أمكنها العود فعادت أصابها في المرة الثانية نظير ما أصابها في الأولى، إذا كان لا يمكنها العود إلا مع الوفد، والحيض قد يصيبها مدة مقامهم بمكة.
الثالث : أن هذا إيجاب سفرين كاملين على الإنسان للحج، من غير تفريط منه، ولا عدوان، وهذا خلاف الأصول، والحائض لم تفرط، ولهذا أسقط النبي صلى الله عليه وسلم عنها طواف الوداع، وطواف القدوم كما في حديث عائشة وصفية.
وأما التقدير الثالث : وهو أن يقال إنها تتحلل كما يتحلل المحصر، فهذا لا يصح لأنه لا يؤمر المسلم بحج يحصر فيه، فمن اعتقد أنه إذا حج أحصر عن البيت، لم يكن عليه الحج، بل خلو الطريق وأمنه، وسعة الوقت : شرط في لزوم السفر باتفاق المسلمين، فعلى هذا التقدير يبقى الحج غير مشروع لكثير من النساء، أو أكثرهن في أكثر هذه الأوقات.
فإذا تبين فساد هذه الأقسام الأربعة، بقي (الخامس) : وهو أنها تفعل ماتقدر عليه، ويسقط عنها ما تعجز عنه، وهذا هو الذي تدل عليه النصوص المتناولة لذلك، والأصول المشابهة له، وليس في ذلك مخالفة الأصول، والنصوص التي تدل على جوب الطهارة كقوله صلى الله عليه وسلم : "تقضي الحائض المناسك كلها الا الطواف بالبيت" إنما تدل على الوجوب مطلقاً، كقوله:" إذا أحدث أحدكم فلا يصلي حتى يتوضأ" وقوله: "لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ"، وقوله : "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وقوله :" حتيه، ثم اقرصيه، ثم اغسليه، ثم صلي فيه" وقوله : "لا يطوف بالبيت عريان" وأمثال ذلك من النصوص، وقد علم أن وجوب ذلك جميعه مشروط بالقدرة كما قال تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال صلى الله عليه وسلم : "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وهذا تقسيم حاصر. (ملخص من مجموع الفتاوى 26/221).
والذي نراه أن الأخذ برأي الإمام ابن تيمية له وجاهته، وله من الأدلة ما يسنده لرفع الحرج الشديد الذي تتعرض له المرأة إن ألزمناها بما لا تستطيعه ولا تستطيعه رفقتها أو أن تعود للحج مرة ثانية مع احتمال أن يتكرر لها ما حدث، لكن نرى أن المرأة التي تعرف عادتها وأنها ربما زحمتها في أيام الحج أن تتناول الحبوب المسببة لتأخيرها حتى تؤدي المناسك كلها، فإن قصرت في ذلك، أو فاجأتها في غير موعدها، فلا بأس أن تطوف ولا شيء عليها كما قال ابن تيمية : إن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من أقوال العلماء.
وللمرأة أيضاً أن تأخذ برأي الحنفية من التدثر ثم الطواف وتذبح بدنة تطعمها كلها للمساكين، وإذا أخذت المرأة دواء أثناء الحيض فارتفع الدم، جاز لها الطواف على مذهب المالكية لأن النقاء أيام تقطع الدم يعتبر طهراً عندهم على أن تغتسل فتطوف ولا يلزمها حينئذٍ شيء.
2006-01-03
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية