التسول ظاهرة تؤرق المجتمعات العربية وتدعو للقلق، حيث اصبح مهنة لدى البعض له اساليب وطرق كثيرة في التعامل مع المتصدقين لاستدرار عطفهم واستنزاف اموالهم، فما حكم التسول في الاسلام؟ وكيف واجه الاسلام هذه الظاهرة المذمومة؟ وما واجب الاغنياء تجاه الفقراء؟
الفقير العاجز
في البداية، يبين رئيس رابطة علماء الشريعة لدول مجلس التعاون الخليجي والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.عجيل النشمي الحكم الشرعي لمن يمدون ايديهم للناس يطلبون المال وتطاردهم الجهات المعنية وتمنعهم قائلا: الفقير العاجز عن الكسب هو الذي يجوز له ان يسأل الناس، والملاحظ ان الكثير ممن يمدون ايديهم قادرون على الكسب، فالمسلم القادر على الكسب لا يحل له ان يسأل الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجلين سألاه في حجة الوداع «ان شئتما اعطيتكما، ولا حظّ فيه لغني ولا لقوي مكتسب»، وقال صلى الله عليه وسلم «من سأل وهو غني عن المسألة يحشر يوم القيامة وهم خموش في وجهه»، فهؤلاء الذين يسألون وهم قادرون على الكسب ووجدوه يحرم عليهم في رأي كثير من اهل العلم، وفي رأي البعض يحل بشرط الا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول ولا يذل نفسه، فإن كان كذلك حل والا حرم باتفاق العلماء، ويستثنى من ذلك الوالدان اذا كانا فقيرين وقادرين على الكسب، فلعل الراجح ما ذهب اليه الحنفية والشافعية في وجوب نفقتهما على الابناء القادرين، اما اذا كان المسلم عاجزا عن الكسب وكان قادرا على ان يخرج ويطلب فيحل له ذلك، بل قد يجب ان خاف على نفسه الهلاك وألا يعتبر في ذلك اذلالا له. وزاد: وقد قرر الفقهاء انه يجب على كل مسلم ان يعين اخاه ان علم انه فقير ولا يستطيع ان يخرج ويطوف فإن لم يستطع اعانه ودل عليه من يستطيع اعانته، فإن امتنع هؤلاء مع علمهم اثم الجميع مهما كان عددهم كبيرا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به».
حق الدولة
وأكد د.النشمي ان من حق السلطات الرسمية في الدولة ان تطارد المتسولين وتمنعهم وذلك بالنسبة للقادرين على الكسب، (الاصحاء)، فتمنعهم وتيسر لهم الاعمال المناسبة التي يرتزقون منها لهم ولاسرهم، فإن لم يتسير لهم عملا وأصبحوا عاطلين مع عدم امتناعهم لو وجدوا عملا، فإن واجب الدولة ان تكفل لهم ما يقيم أودهم ويحفظ اسرهم، كما ان واجب الافراد ذلك ايضا كما سبق ذكره، ولهم ان يسألوا في هذه الحال لانهم عاجزون حكما لا حقيقة.
اما عن الفقراء العاجزين عن الكسب فقال د.النشمي: لهم ان يسألوا وعلى الدولة ان تكفلهم وعلى المسلمين ان يعينوهم، الاقرب فالاقرب، فمجتمع المسلمين مجتمع التكافل والتعاون.
الفقر
ويضيف الداعية د.ناظم المسباح قائلا: لا يوجد مجتمع من المجتمعات يخلو من وجود المتسولين، لكن ظاهرة التسول تتفاوت من مجتمع إلى آخر، فتنخفض في بعض المجتمعات وترتفع في اخرى، ومن النادر ان يسلم مجتمع ما من هذه الظاهرة.
واعتبر المسباح ان هناك العديد من الاسباب لظاهرة التسول منها اسباب خارجية واخرى داخلية، فعندما تتسلط تتحكم الدول الاجنبية الكبرى والغنية في الدول الفقيرة وتعمل على سلب خيراتها مما يؤدي الى ضعفها اقتصاديا، يتفشى الفقر في هذه المجتمعات وتبدأ هذه الظاهرة في الانتشار، كما ان قلة فرص العمل في بعض المجتمعات تؤدي الى هذه الظاهرة، فالشباب يريد ان يعمل ويريد ان يكسب قوته من عمل شريف، لكن احيانا يجد ابواب العمل موصدة امامه مما يضطره الى التسول، كما قد يؤدي سوء الادارة في مجتمع ما الى هذه الظاهرة، لان سوء الادارة سيؤدي بالضرورة الى ضعف الاقتصاد وانهيار المقومات الاساسية للمجتمع فيشيع الفقر والظلم والقهر ويظهر المتسولون، ايضا ان خمول الفرد نفسه وضعف حماسه على العمل يؤديان الى انتشار التسول فنحن نرى ان هناك مجتمعات متحمسة للعمل وافرادها يتسمون بالحيوية والنشاط، ونرى في المقابل مجتمعات كسولة خمولة لا تبحث عن العمل بل لا تريده ففي الاولى تقل ظاهرة التسول وفي الثانية يكثر المتسولون.
ولفت د.المسباح الى ان الاسلام ينظر الى الفقر على انه داء ومرض ينبغي ان يطارد ويحارب بكل قوة ويدعو الى السعي للتقليل منه قدر المستطاع، فحث على الكسب والعمل، وهناك العديد من النصوص الدالة على ذلك منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأن يحتطب احدكم حزما على ظهره خير له من ان يسأل احدا فيعطيه او يمنعه، كما كان صلى الله عليه وسلم يحث اصحابه على العمل قائلا: كان داود عليه السلام لا يأكل الا من عمل يده، وكان زكريا عليه السلام نجارا، فالاصل ان يسعى المسلم الى العمل والكد، وعندما يسلك المسلم هذا الطريق يجد توفيقا من المولى عز وجل حيث يقول تعالى (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).
التعفف
وعن الحكم الشرعي للسؤال، يجيب د.المسباح: ان اهل العلم بينوا هذه القضية فقالوا: اذا كان الشخص فقيرا ومحتاجا يجوز له ان يسأل لقول الله تبارك وتعالى (والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، فلم يعب على السائل هنا، ومن ثم فاذا كانت ابواب الرزق مغلقة في وجه هذا الشخص وكان فقيرا ومحتاجا يجوز له ان يسأل وان كان الافضل والمستحب ان يتعفف، اما السؤال لغير حاجة سوى اخذ اموال الناس بالباطل فهو محرم شرعا، لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لاتزال المسألة بيد احدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه قزعة لحم (اي قطعة لحم)، كما يقول: اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة، كما يقول: من سأل الناس تقترا كأنما يسأل جمرا فليستكثر، وهذا وعيد للذين يأكلون اموال الناس بغير حق، فمن يقدر على العمل وفتحت امامه ابواب الرزق فلا يجوز له ان يسأل الناس، وان كان فقيرا ومحتاجا يجوز له ذلك وان كان الافضل ان يتعفف عن السؤال. وخلص المسباح الى القول بانه لا يجوز لأحد ان يسأل من دون وجه حق تقتيرا وأكلا لاموال الناس، اما الذي يسأل وهو فقير محتاج وليس امامه سبيل للرزق فيجوز له ذلك، وان كان من الافضل ان يتعفف لأنه قد وردت نصوص يثني فيها الله عز وجل على المتعففين، لكن يجب ان نعرف ان قدرات الناس تتفاوت، فمنهم من يستطيع الصبر ومنهم من لا يستطيع ذلك، فإن سأل فيجوز له ذلك وليس عليه اثم.
احتراف
ويؤكد د.احمد الكوس ان الاسلام يرفض التسول وفرض على الاغنياء الزكاة والصدقات لرعاية الفقراء، وما نراه في الاسواق وامام المساجد والاماكن المقدسة من احتراف البعض مهنة التسول يعد مخالفا للشريعة، حيث ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد توعد من يتسول من دون حاجة بنزع لحم وجهه يوم القيامة، ويشير الى ان اموال الصدقة والزكاة يجب ان نعطيها للمحتاجين حتى لو كانوا متسولين، اما من يمتهن التسول فيجب ألا نشجعه على اكل اموال الناس بالباطل، فهناك من المتسولين ليسوا في حاجة بل قادرين على الكسب لنفسه ولمن يعولهم.
وعن المتسولين الفقراء، قال د.الكوس: يجب علينا التحري عنهم قدر المستطاع حتى لا نظلمهم، قال الله تعالى (واما السائل فلا تنهر) اي لا تعنف ولا تؤذ مشاعر السائل، فيكفي كلمة طيبة، اما المتسولون غير المحتاجين فهم كثر، خاصة ان البلاد موفرة جهات ومؤسسات تقوم بمساعدة كل محتاج كبيت الزكاة واللجان الخيرية المنتشرة في انحاء البلاد والمستحقون للزكاة في قوله تعالى (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم).
وعن حكم السؤال في المسجد، اوضح د.الكوس بقوله: قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: اصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد الا لضرورة، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ احدا بتخطيه رقاب الناس ولا غير تخطيه ولم يكذب فيما يرويه ويذكر عن حاله، ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل ان يسأل والخطيب يخطب او وهم يستمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز والله اعلم.