أكد رئيس رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.عجيل النشمي ان مفهومي الوطن والوطنية قد وقع فيهما لغط كما وقع لبس وتداخل بين في تحديد الحقوق والواجبات، كما وقع فيهما لغط وخلط في معناهما بين الافراط والتفريط دون حد وسط واعتدال. وقال: منهم من جعل الوطن أرضه المقدسة دون سواه، والوطنية عقيدة تربط بين أبناء الوطن ولا رابط بينهم سواها فأنتج ذلك حبا أعمى وتعصبا قوميا وعرقيا مقيتا، جعل هؤلاء ينظرون الى الناس وكأنهم جنس أعلى وأنقى، ولهذا فإن الوطنية هي سمة الانتماء الى الأرض والشعور القومي سمة الانتماء إلى الأمة وليس للدين ههنا نصيب. وتناول د.النشمي خلال هذا الحوار تعريف الوطن ومعنى الوطنية وحقوق وواجبات الوطن والمواطن، وشرح علاقة الوطنية بالإسلام ووطنية المسلم في البلاد غير الإسلامية، وركز على تأصيل معنى المواطنة والوطنية، وإلى نص الحوار:
ما الوطن وماذا يجب ان يعني للمواطن؟
يقال: أوطن الأرض ووطنها وتوطنها واستوطنها، والوطن محل اقامة الإنسان ولد به أو لم يولد، فكل من استقر مقامه بأرض فهي وطنه لأنه ارتضاها أرضا وتوطنها بغض النظر عن دينه أو أصله أو جنسه أو لونه وهذا المعنى العام، تخصص معناه في العلاقات السياسية اليوم في ظل الظروف والقوانين والدساتير، وهذا المعنى يقترب من معنى الوطن في الفكر السياسي الذي يرى ان الوطن هو الأمة، فالأرض التي عليها أمة من الناس المستقرين هي الوطن ماداموا متفاعلين مع هذه الأرض لغة وتاريخا وعادات فكل من انتمى لأرض بهذا الوصف فهي وطنه.
المحبة والولاء
ما الفرق بين الوطنية والمواطنة؟
«الوطنية» تشير الى شعور الفرد بحبه لمجتمعه ووطنه واعتزازه بالانتماء اليه واستعداده للتضحية من أجله، فالوطنية شعور قلبي ووجداني يترجم في المحبة والولاء والميل والاتجاه الايجابي والدافعية الذاتية للعمل الخلاق الذي يستهدف رفعة الوطن، اما مفهوم «المواطنة» فيشير الى الجانب السلوكي الظاهر المتمثل في الممارسات الحية التي تعكس حقوق الفرد وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه والتزامه بمبادئ المجتمع وقيمه وقوانينه والمشاركة الفعالة في الأنشطة والأعمال التي تستهدف رقي الوطن والمحافظة على مكتسباته.
فئات متباينة
هل يمارس المواطنون درجات مختلفة من الوطنية؟
نعم يتمايز المواطنون فيما بينهم في وطنيتهم ومواطنتهم بحسب تربيتهم وثقافتهم وتأثير التعليم في سلوكهم ويمكن وضعهم في فئات، الفئة الأولى: المواطن الذي تقل لديه صفات الوطنية والمواطنة الى حد وصفه بأنه سلبي في مواطنته وغير منتم في وطنيته، وهذا الصنف من الناس لا يقدم الخير لأمته ولا يشجع من يعمل الخير ولا يلتزم بسلوك الجماعة السوي والفئة الثانية، المواطن الذي يرتفع لديه مستوى سلوك المواطنة، الا ان انتماءه وحبه للوطن منخفض، فهو لا يظهر محبته لوطنه، الا انه في الغالب يتقيد بأنظمة الوطن ويؤدي ما عليه من حقوق وواجبات تجاه وطنه إما رغبة أو رهبة. والفئة الثالثة: المواطن الذي يرتفع لديه مستوى الوطنية، الا ان سلوك المواطنة عنده منخفض، فهو يشعر بانتمائه وحبه للوطن ويعتز بذلك، لكنه قد يقصر في أداء ما عليه من حقوق وواجبات تجاه وطنه، كما أنه لا يلتزم بالسلوك والقوانين التي يقرها ولي الامر أو ترتضيها الجماعة.
النموذج الأفضل
أما الفئة الرابعة فهي المواطنون الذين يرتفع لديهم مستوى الوطنية (الانتماء للوطن) كما يرتفع عندهم ايضا مستوى المواطنة (السلوك الايجابي في خدمة الوطن)، فالمواطن في هذه الفئة معتز بوطنه منتم اليه متمسك بالسلوك السوي للمواطنة بحيث انه يعرف واجباته وحقوقه ويدخل في ذلك حقوقه في مدرسته أو جامعته أو دائرته أو مؤسسته التي يعمل فيها أو مصنعه الذي يشتغل فيه، كما يعرف الفرد من هذه الفئة حقوق غيره من فئات المجتمع وغير ذلك ممن لهم حقوق ينتظرون من الآخرين أداءها. وهذه الفئة من المواطنين هم الذين يمثلون النموذج الافضل وهو ما تسعى الى تكوينه مناهج التربية الوطنية وما تهدف الى تنشئته الامم والشعوب وهو الورقة الرابحة في منظومة التنمية والتطوير التي تهدف اليها كل الأمم.
فئة شاذة
والفئة الخامسة هي فئة شاذة كليا عن اوصاف الفئات السابقة، وهذه الفئة يوصف الافراد فيها ليس بنقص الانتماء للوطن فحسب، بل بما هو اكثر سلبية وهو بغض وكره هذا الوطن، كما انهم لا يكتفون بعدم ممارسة السلوك الصحيح للمواطنة، بل يسلكون سبلا تخريبية تنتقض سلوك المواطن والسلوك المدني بعامة، ومثال تلك الفئة المفسدون في الارض والارهابيون فهم يغضبون الجماعة التي هي لحمة الوطن ويخرجون عليها وعلى ولاة الامر، كما انهم يسعون في الارض فسادا ويهدمون ما يعتز الوطن به من مكتسبات وانجازات، فلم يبق لهم من وصف الوطنية والمواطنة شيء وليس لهم الا ان يوصفوا بالارهابيين المفسدين في الارض.
صنفان
والذي يظهر ان المواطنة صنفان، الاول هو الصنف الذي يؤدي فيه المواطن كامل التزامات الوطن والمواطنة طواعية وحبا قلبيا، والثاني هو الصنف الذي يشعر فيه المواطن بمواطنته ووطنيته، ولكنه سلبي في أداء التزاماته طوعا وبالشكل المطلوب مقابل حقوقه، كما انه سلبي في تفاعله مع قضاياه، واما ما عدا هذين الصنفين ممن لا يشعر بمواطنته ولا حبه لوطنه ومن يعادي دولته ووطنه ومواطنيه فهو خارج عن حدود الوطنية.
حقوق وواجبات
ما حقوق وواجبات المواطنة؟
ان كل حق يقابله واجب وما لم يقم كل طرف بواجبه يتعذر ان يعطى حقه كاملا، فالدولة صاحبة السيادة يربطها وشعبها عقد الولاء والسيادة، وهو من الشريعة كما قال الماوردي: سياسة الناس في امور دينهم ودنياهم، فواجب الدولة رعاية مواطنيها ومن هو مقيم على ارضها والرعاية تعني توفير سبل العيش الكريم من وظيفة ومسكن وحياة كريمة وينظم هذه العلاقة دستور وقانون، ويقابل هذا الواجب على الدولة حقوق لها على مواطنيها ومن يقم على ارضها وهو الالتزام باحترام النظم والقوانين والعمل الايجابي في غرس مفاهيم الوطنية ونبذ العصبية أيا كان نوعها مما يعكر صفاء العلاقات، ويورث الخلاف والفرقة وهما سبب من اهم اسباب تفكك المجتمعات ومن ثم الاضطرابات والانقسامات وهما اسرع طريق لانهيار الدول. فإن لحمة المجتمعات وسداها تآلف افرادها وتعاونهم في سبيل نهضة وطنهم وتوحيد انتمائهم وهويتهم في دولة واحدة وقانون ودستور واحد.
العروبة والإسلام
ما ملامح العلاقة بين الوطن والمواطن؟
من هذا الجمع بين الواجبات ومقابلتها بالحقوق تتفرع العلاقات وتبنى الجسور النظامية والعاطفية بين المواطن والوطن أو بين الشعب والحكومة أو السلطة، ولابد من توضيح معالم هذه العلاقات ولعمل اهم مضامينها أولا: الحفاظ على الهوية، حيث لا ينبغي الاختلاف في ذلك فإن الاختلاف في تحديد الهوية يعني ضياعها ثم السير بلا هدف ويعني ضياع الجهود والتخبط في المسير لأنه مسير لا الى هدف، وان مما لا خلاف فيه ان هوية بلادنا العربية هي العروبة والاسلام ولا اصنفهما مفهومين متباينين، بل هما متكاملان، بل قل انهما متلاحمان، فالعروبة الانتماء للعرب والاسلام دين العرب كلهم ان لم يكن اغلبهم، فالاسلام هو الذي يشكل هوية العرب، وعرفهم العالم به، فكان التعبير بأحد الوجهين يعني الآخر، فهو بعدهم التاريخي والحضاري، فالاسلام عنوانهم بكل ما يحمل من مفاهيم وتعاليم وعقائد، ولا يعني هذا انتفاء مواطنة العرب غير المسلمين، لا بل هم مواطنون لهم من الحقوق ما لغيرهم ويتوحدون في لائهم للدولة وعليهم من الواجبات ما على غيرهم، واختلاف الدين لم يكن سبب الفرقة في تاريخ المسلمين لأنه دين قام على احترام المعتقدات، فالكل مواطنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لكن الهوية الغالبة التي تعمل الدساتير التي تنص على ان دين الدولة الاسلام هي الهوية الاسلامية التي تحمل المعاني الخيرة المشتركة من احترام الآخر وبث روح الاخاء والفضيلة واحترام القوانين المنظمة للعلاقات المحددة للحقوق والواجبات والحفاظ على الهوية شأن الدولة في نظمها وقوانينها وسلطاتها الثلاث متكاملة، ثم هو شأن المواطنين والمقيمين في الوقت ذاته ان يتحملوا مقابل ذلك في الولاء والامتثال واحترام الدين والتقاليد والعادات الحميدة التي هي من سمات هويتهم الوطنية والخلقية.
الانتماء
ومن ملامح العلاقة بين الوطن والمواطن الشعور بالانتماء وهي العلاقة المتبادلة بين الوطن والمواطن مبناها شعور المواطن بالانتماء لوطنه، هذا الشعور ليس مادة توهب أو تشترى أو يتلقاها درسا عابرا انما هي عملية تراكمية تنشأ مع الفرد من ولادته على هذه الارض ومشيه المتدرج على أرضها طفلا فشابا فرجلا في مراحل تربيته أسريا ومدرسيا ينمى هذا الشعور بنموه في مراحل حياته كلها، وابان ذلك يغذى بحب هذا الوطن الذي عاش وتربى فيه وتكونت له فيه ذكريات ومواقف.
من جانب آخر، يغذي هذا الشعور عوامل من أهمها الدين ويتفاعل معها طفلا وشابا ورجلا وطفلة وشابة وامرأة، زوجة وربة بيت، كما يغذي هذا الشعور الى جانب الدين اللغة والثقافة والعادات والتقاليد، كل التراث القيم والحاضر وبمجموع ذلك تتكون لحمة الانتماء للأرض أو الوطن الذي يعيشه وبهذا الشعور تنمو لديه الايجابية الذاتية فيخلص في عمله بقدر إخلاص حبه وولائه، أو هكذا ينبغي له ان يكون. هذا الشعور هو الذي تجيش به النفس حين يفارق وطنه الى بلد لم يتكون له فيه رصيد من المعايشة والتفاعل والذكريات وهذا هو المعنى الذي سنراه قريبا في تأصيل هذه المعاني في الآيات الواضحات، وفي أقوال وأفعال ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وهذا الشعور ينمو بغض النظر عن المواقف السلبية التي قد تواجه المرء في بلده فقد يطرد من بلده طردا وقد تصادر أمواله ويؤذى في نفسه وماله ودينه ومع ذلك فهذا الشعور لا يخفت ولا يخبو، بل قد يضطر ان يختار جنسية الدولة التي استقر فيها مقامه، ومع ذلك فإن ميله وحبه إلى بيته الأول يعود قويا جياشا.
دعاة الوطنية
ما موقف الإسلام من فكرة الوطنية؟
كانت فترة ما بعد سقوط الخلافة الاسلامية في 24 آذار سنة 1924 وانقسام المستعمرين في البلاد العربية والاسلامية ونشوء مقاومة المستعمر هي فترة بدء الصراع بين مفهوم الوطنية أو القومية والإسلام، وكانت مصر هي أبرز ميادين هذا الصراع السياسي وكان «حزب الأمة» أكثر الأحزاب تعصبا بمبدأ وفكرة الوطنية المصرية وهي الانتماء الى أرض مصر وتاريخها دون النظر الى الدين أو العرق، واعتبار فترة الحكم الإسلامي ليست سوى فصل من فصول التاريخ، وعبر عن هذا الاتجاه زعيم حزب الأمة لطفي السيد وزعيم الحزب الوطني مصطفى كامل وكثير من دعاة القومية العربية، وكان أقوى الأصوات التي واجهت هذا الفكر والطرح مبكرا قبل شيوع مفهوم الوطن والوطنية بين الكتاب المسلمين هو الامام حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين، ووجه في ذلك رسالة قوية عن الوطنية في المفهوم الاسلامي مؤصلة شرعا، تبين حد الوسطية التي هي صفة أصيلة في هذا الدين وهي عبارات فصيحة واضحة تغنينا عن مزيد من البسط والتفصيل، فقال مبينا حجج الطرف الآخر ضمنا والرد عليها في رسالته الشهيرة «دعوتنا» افتتن كثير من الناس بدعوة الوطنية تارة والقومية تارة أخرى، وبخاصة في الشرق حيث تشعر الشعوب الشرقية بإساءة الغرب اليها إساءة نالت من عزتها وكرامتها واستقلالها وأخذت من مالها ومن دمها وحيث تتألم هذه الشعوب الشرقية بإساءة الغرب إليها إساءة نالت من عزتها وكرامتها واستقلالها وأخذت من ماله ومن دمها، وحيث تتألم هذه الشعوب من هذا النير الغربي الذي فرض عليها فرضا فهي تحاول الخلاص منه بكل ما في وسعها من قوة ومنعة وجهاد وجلاد، فانطلقت ألسن الزعماء وسالت انهار الصحف وكتب الكاتبون وخطب الخطباء وهتف الهاتفون باسم الوطنية وجلال القومية.
كتابات الغرب
من غير الحسن انك تحاول افهام الشعوب الشرقية وهي مسلمة ان ذلك في الاسلام بأوفى وأزكى وأسمى وأنبل مما هو في أفواه الغربيين وكتابات الأوروبيين ابوا ذلك عليك ولجوا في تقليدهم يعمهون، وزعموا لك ان الاسلام من ناحية وهذه الفكرة من ناحية اخرى وظن بعضهم ان ذلك مما يفرق وحدة الأمة ويضعف رابطة الشباب هذا الوهم الخاطئ كان خطرا على الشعوب الشرقية من كل الجهات، فإن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين اليها والانعطاف حولها، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة اخرى، وان بلالا رضي الله عنه الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين الى مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة:
ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة
بواد وحولي اذخر وجليل
وهل اردن يوما حياة مجنة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
ولقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف مكة من أصيل فجرى دمعه حنينا اليها وقال «يا أصيل دع القلوب تقر»، وان كانوا يريدون ان من الواجب العمل بكل جهد في تحرير الوطن من الغاصبين وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه فنحن معهم في ذلك أيضا، وقد شدد الاسلام في ذلك ابلغ التشديد فقال تبارك وتعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) ويقول (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وان كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد وارشادهم الى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم فيه ايضا ويراه الاسلام فريضة لازمة ففي الحديث الشريف «وكونوا عباد الله اخوانا».
وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلاد وسيادة الأرض فقد فرض ذلك الإسلام ووجه الفاتحين وإلى أفضل استعمار وأبرك فتح فذلك قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله).
تفريق الأمة
هناك من يريد باسم الوطنية تقسيم الأمة الى طوائف فماذا تقول؟
هناك من يريد تقسيم الأمة الى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم ويكيد بعضهم بعضا وتشيع مناهج وضعية أملتها الأهواء وشكلتها الغايات والأغراض وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية والعدو يستغل كل ذلك لمصلحته ويزيد هذه النار اشتعالا لا يفرقهم في الحق ويجمعهم على الباطل ويحرم عليهم اتصال بعضهم ببعض وتعاون بعضهم مع بعض ويحل لهم هذه الصلة به والالتفات حوله فلا يقصدون إلا داره ولا يجتمعون إلا زواره، وتلك الوطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس، ثم يقول: ها أنت ذا قد رأيت اننا مع دعاة الوطنية بل مع غلاتهم وفي كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على البلاد والعباد، وقد رأيت مع هذا ان تلك الدعوى الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن انها جزء من تقاليد الإسلام. ثم يبين بوضوح أصعب ما في الأمر وهو بيان الحدود الفاصلة بين حدود الوطنية في مفهوم الليبراليين والقوميين والوطنية التي لا يرتضيها الإسلام.
حدود الوطنية
وما وجه الخلاف بيننا وبينهم؟
نحن نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والاخلاص له والجهاد في سبيل خيره، وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا واخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم، ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك فلا يعتبر إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض.
الإفراط والتفريط
هناك خلط عند البعض بين مفهوم الوطن والوطنية فما تعليقكم؟
لقد وقع في مفهوم الوطن والوطنية لغط كما وقع لبس وتداخل في تحديد الحقوق والواجبات، كما وقع فيها لغط وخلط في معناهما بين الإفراط دون حد وسط واعتدال، فمنهم من جعل الوطن أرض المقدس دون سواه والوطنية عقيدة تربط بين أبناء الوطن ولا رابط بينهم سواها، فأنتج ذلك حبا أعمى وتعصبا قوميا وعرقيا مقيتا، جعل هؤلاء لا ينظرون الى الناس وكأنهم جنس غيرهم أعلى وأنقى وذلك في اطار الصيرورة التاريخية تشكل مجتمعة الأمة، ولهذا فإن الوطنية هي سمة الانتماء الى الأرض كما ان الشعور القومي هو سمة الانتماء الى الأمة «وليس للدين هنا نصيب» بل جعلوا من الوطنية حاكما على الدين، فالأرض والوطن يتشاركان في تأسيس مرجعية جديدة تجب على المرجعيات السابقة لها، فالانتماء الى الأمة كما الى الوطن يصبح هو أساس التحديد في المستوى السياسي في تعريف الشعب، وبالتالي فهما يرتفعان فوق الانتماءات الدينية والمذهبية لتحديد البشر بانتمائهم الوطني أو القومي ليصبح الانتماء الديني أو المذهبي شأنا شخصيا لا علاقة له بالسياسة. وقالوا: ان هذا هو الأساس الصلب لتأسيس الدولة/ الأمة، وتأسيس الديموقراطية التي ستكون هنا علمانية بالضرورة وهنا يسقط مفهوم الوحدة الوطنية بالمعنى الدارج أي الوحدة بين أديان وطوائف واثنيات لسبب ما يتعلق بخطر «خارجي» لأن مفهوم الدين والطائفية والاثنية يكون خارج موضوع السياسة ويتحدد في المعتقد الشخصي ولتصبح المواطنة هي مقياس العلاقة بين كل أفراد الشعب.
لكن هناك بعض الناس يرون ان الإرهاب هو السبيل فما تعليقكم؟
هذا الصنف من الناس لا يرى للوطن حرمة ولا للوطنية احتراما بل المصلحة المادية الشخصية مقدمة عليهما والمهم عنده ان يتضخم رصيد الملايين ولتذهب الوطنية والقومية.