ترشيح المرأة
21 فبراير، 20062,539 زيارة أحكام خاصة بالمرأة
السؤال :
ما هو حكم الشرع في انتخاب وترشيح المرأة لمجلس الأمة الكويتي ؟
الجواب :
ابتداءً لا أظن أننا بحاجة الى بيان حكم الانتخاب ، فانه ليس محل خلاف ، أو هكذا ينبغي أن يكون ، لأن انتخاب المرأة لا يخرج عن باب الشهادة أو التوكيل أو التزكية لشخص معين بأهليته وكفاءته والمرأة أهل لذلك على تفصيل في هذا عند الفقهاء وأما تحديد مجال البحث والنظر في ترشيح المرأة ، فإن أدلة المجيزين والمانعين لا ترقى الى اثبات أن الموضوع في دائرة النصوص القطعية .
وبيان ذلك :
أن الذين منعوا ترشيح المرأة وتوليتها استندوا الى أدلة أقواها نص حديث صحيح لو استقام في دلالته علىالمطلوب لا يحتاج المانعون معه الى أدلة أخرى ، وإن لم تستقم دلالته ، فيكون مبنى رأيهم على الاجتهاد والمصالح .
والذي أراه أن الحديث الذي استندوا اليه غير قطعي في دلالته ، ولا هو نص على موضوعه ، فقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة يستفاد منها معاني متعددة ولا يتعين فيها معنى واحد ـ فقد ورد الحديث بلفظ ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة ) ولفظ ( لن يفلح قوم تملكهم إمرأة ) ولفظ ( ما أفلح قوم يلي أمرهم إمرأة ) .
ولفظ ( ما أفلح قوم تلي أمرهم إمرأة ) وهذه ألفاظ وروايات كلها وردت عن أبي بكره رضي الله عنه ، وكلها أحاديث صحيحة وظاهر أن لفظ ( ولوا ) غير ( تملكهم ) فالأول فيه معنى التولية بالاختيار والرضى والقبول ، والثاني يحتمل معنى القهر والاذعان ، ومثله لفظ ( تلي ) و ( ويلي ) ، ثم إن لفظ ( قوم ) قد يراد به خصوص قوم بأعيانهم ، يوضح ذلك سبب ورود الحديث فيما رواه أحمد والنسائي والترمذي عن أبي بكره رضي الله عنه قال : لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارس ملكوا ابنة كسرى قال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة ) فيحتمل أن لفظ ( قوم ) هم فئة من فارس ، كما يحتمل اللفظ العموم ـ والعبرة بالعموم لا بخصوص السبب ، لكن اللفظ يحتمله ـ فيكون عدم الفلاح لأهل فارس الذين رضوا بولاية المرأة على المعنى الأول ، أو كل قوم فعلوا فعلهم على المعنى الثاني . ومن جانب آخر فان معنى ( قوم ) أي رجال ، لقوله تعالى ( لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ) فالقوم هنا بمعنى الرجال ، وعلى هذا المعنى لا يكون لفظ قوم عاما لأن لفظ رجال ليس عاما ، بل هو من قبيل المطلق ، وأهل الاختصاص يعرفون الفرق بينهما ، وأيضا فإن لفظ ( يفلح ) مجمل أي غير واضح المراد منه فقد يكون المراد عدم الفلاح في أمور السياسة او الجيش أو الادارة أو المال ونحو ذلك ، وكذلك لفظ ( ولوا ) هو لفظ مجمل غير محدد المقصود منه ، فيحتمل أن المراد ولاية خاصة جزئية ، وإن كان قصد الولاية العامة ظاهر فيه وهي رئاسة الدولة أو الولاية السياسية .
وإزاء هذه التأويلات والاحتمالات في دلالة الفاظ الحديث لا يمكن التمسك بدلالة الحديث عل المنع القاطع لمعنى ترشيح المرأة لعضوية مجلس الأمة . وهو ولاية بلا ريب .
وكذلك أدلة القائلين بالجواز لا تُسلّم ولا تَسلَم من التأويل والاجمال وأقوى أدلتهم مفهوم قوله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) فالآية تشير الى تحمل الرجال والنساء مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واللفظ عام فيشمل سياسة المجتمع ، والمشاركة في السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ، فهذه كلها مبنية على الأوامر والنواهي ، فتوليها واجب على الرجال والنساء بنص الآية .
كما استدلوا بوقائع أحوال وحوادث في التاريخ الاسلامي مثل تولي عائشة رضي الله عنها إمارة الجيش في موقعة الجمل ، فقد كان قادة الجيش يرجعون اليها في الرأي ، كما كان يفعل طلحة والزبير رضي الله عنهما ، وأيضا تولية الشفاء بنت عبد الله الحسبة ومراقبة السوق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ويمكن ذكر وقائع أحوال عديدة في التاريخ الاسلامي لم ينكرها الفقهاء .
وهذه الاستدلالات كلها لا ترقى أيضا الى القول بجواز تولية المرأة أو ترشيحها لمجلس الأمة على الاطلاق ، فولاية المؤمنين والمؤمنات عامة مخصوصة ، أي يمكن تخصيصها في وجوب الأمر بالمعروف والنهي المنكر على كل منهما في حدود طبيعته وما يناسبه ، فما يصلح له أحدهما قد لا يصلح للآخر . ويمكن أن يقول المانعون : إن الولاية العامة مما لا يناسب طبيعة المرأة .
والذي نخلص به من ذلك أمر يتفق ويجمع عيه الفريقان ، أو هكذا ينبغي أن يتفقوا ويجمعوا ، وهو أن ترشيح المرأة لمجلس الأمة ليس داخلا في دائرة النصوص لا في المنع المطلق ، ولا في الجواز المطلق . لأن كل فريق يسلم بأن أدلته مجملة أو مطلقة أو عامة أو خاصة ، وكلها محل اجتهاد ، ونظرا الى أن كل فريق يرجح ما يراه راجحا . ولقد قرر الفقهاء أن الدليل اذا واحتمال تطرق اليه الاحتمال سقط به الاستدلال ، أي الاستدلال القاطع على المعنى المراد ، كما أن الفقهاء متفقون ومجمعون على قاعدة مفادها أن ( لا ينكر المختلف فيه ، وانما ينكر المجمع عليه ) ولا خلاف عند الفقهاء قديما وحديثا أن ولاية المرأة العامة محل اجتهاد ، ولم يجمعوا على منعها أو جوازها وعليه فلا يجوز أن ينكر من قال بالمنع على من قال بالجواز ، كما لا ينكر من قال بالجواز على من قال بالمنع . كما لا يجوز أن يصف أحدهما رأي الآخر بالخطأ ، أو ترتب الإثم ، لأن هذا هو شأن القضايا الاجتهادية .
والذي أراه : أن ترشيح المرأة لمجلس الأمة لما كان في دائرة الاجتهاد ، يسع فيه الخلاف بين أهل الاجتهاد ، وكان متعلقا بقضية عامة هي سلطة تشريعية ورقابية ينوب فيها عن الشعب ، وكان لهذا المنصب أثر على أحوال الناس عامة وخاصة ، فإن من سلطة وحق ولي الأمر أن يتدخل في ترجيح أحد الرأيين على أن يكون من أهل النظر والاجتهاد ، فإن لم يكن كذلك اتخذ له من أهل الاجتهاد من يستعين بهم ، مثل الجهات الشرعية التي تحت ولايته ، ولما كان الموضوع له جوانب عديدة قانونية وسياسية وعرفية مصلحية الى جانب محورها الشرعي فيسع ولي الأمر أن يجمع بين هؤلاء ليستنير برأيهم .
واذا كان الأمر من اختصاص مجلس الأمة فلكل عضو الأخذ بأحد الرأيين ترجيحا لما يراه على ضوء قناعته وميله لمعطيات الأدلة الشرعية والمصلحية ، واذا مال ولي الأمر ، أو مجلس الأمة الى ترجيح جواز ترشيح المرأة لمجلس الأمة ـ وهذا من حقهم ـ فلا يسعهم الأخذ بالجواز المطلق ، بل لا بد من وضع الضوابط التي من شأنها أن تراعي سد الذرائع وأبواب ما قد يحتمل من مساوئ في التطبيق ، والتقيد بالآداب الشرعية المتعلقة بالترشيح وإجراءاته وظروف تطبيقه بما ينسجم والأعراف الاجتماعية ومراعاة العرف من أهم الضوابط ، ولذا قالوا ( المعروف عرفا كالمشروط شرطا ) ، وقالوا ( العرف أحد أصول الشرع ) . فإذا أمكن وضع الضوابط ، وأمكن تطبيقها وإلا فسد هذا الباب أولى من فتحه بل لا يجوز فتحه .
2006-02-21
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية