النقاب وقيادة السيارة
19 فبراير، 20062,814 زيارة أحكام خاصة بالمرأة
السؤال :
إن اختي منقبة ، وترعى عيالها ، وقد حباها الله جانبا من الجمال ، وهي مضطرة للخروج ، وقيادة السيارة ، ونظرا للظروف الراهنة لاحظت أن الشرطة تخالفها على النقاب فهل عليها شيء لو رفعت النقاب .
الجواب :
الحجاب بالمصطلح الشرعي هو ستر سائر الجسد ما عدا الوجه والكفين وهو واجب بالاتفاق على المرأة اذا بلغت المحيض . وهذا بالنسبة لعورة المرأة داخل الصلاة . وأما خارج الصلاة فذهب الحنفية والمالكية وكثير من الفقهاء الى أن عورة المرأة هي ما عدا الوجه والكفين ، وزاد أبو حنيفة القدمين ، فلم يعتبرها من العورة . وذهب الشافعية والحنابلة الى أن المرأة كلها عورة حتى الوجه والكفين فيجب عليها تغطيتهما . وعلى هذا الرأي يكون ستر الوجه أو النقاب واجبا .
وسبب الخلاف في وجوب ستر الوجه والكفين ، أو عدم وجوب سترهما هو خلاف الفقهاء وكذا المفسرين في احتمال أدلة ستر العورة للاجتهاد في الأمرين . وذلك فهما من قوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن ا لله خبير بما يصنعون ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبديهن زينتهن إلا ما ظهر منها ... ) النور ـ 29-30 ـ فاختلفوا في المستثنى في قوله : ( ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها ... ) فقال بعضهم المراد منه الوجه والكفان ، وزاد من ذكرنا القدمين ، ومنهم من قال جميع بدن المرأة عورة ، وقد فسر هؤلاء الاستثناء ، يعني : ألا يظهر شيء من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه ، وهو الرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب فهذا لا حرج فيه ، وبقول ابن مسعود قال الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء وابراهيم النخعي وغيرهم ، كما احتجوا بأن الوجه والكفين موضع الزينة وخاصة الوجه ، فاظهاره فيه فتنة فوجب ستره . واحتج من فهم أن المستثنى هو الوجه والكفان بالآية ، كما احتجوا بما يفسر مجمل الاية وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر : ( يا أسماء إن المرأة اذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار الى وجهه وكفيه ) ـ عون المعبود في شرح سنن أبي داوود 4/358 ـ والحديث من رواية ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما ـ وأعله أبو داود وقال : إنه مرسل . فان خالد بن دريك لم يدرك عائشة ، وحسنه الألباني ، وقال البيهقي وهو ممن خرج الحديث : مع المرسل قول من مضى من الصحابة في بيان ما أباح من الزينة الظاهرة ، فصار القول بذلك قويا ، وقد أخذ به ابن عباس وابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم . ومن زاد القدمين اعتبرهما مما يظهر غالبا .
والذي نراه أن الحجاب الواجب هو ستر ما عدا الوجه والكفين ، أخذاً برأي من فسر الآية السابقة به ، ولأن الصلاة تكره بالنقاب عند كثير من الفقهاء ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة عن لبس النقاب والقفازين ، وهذا النهي وان دل على أن النقاب كان موجودا وتلبسه النساء ، لكنه لا يستدل به على الوجوب . ولو كان النقاب واجبا ما ورد النهي عنه في العبادة ، وأيضا حديث أسماء السابق ، وان كان مرسلا إلا أنه تقوى بترجيح من حسنه ، وبترجيح كثير من الصحابة ومن بعدهم على أن الآية تستثني الوجه والكفين . ووقائع أحداث كشف المرأة وجهها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عديدة كخبر الخثعمية التي صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل رضي الله عنه عن النظر اليها .
وهذا كله لبيان الواجب فحسب ، وإلا فإن النقاب أفضل وأكرم للمرأة لما فيه من الستر وشأن النساء مبني على الستر ، فينبغي أن تشجع الفتيات عليه ويرغبن فيه دون إلزام ، وبخاصة في مجتمعاتنا التي التي تموج فيها الفتنة .
ويجب أن نشير الى أن خلاف الفقهاء السابق كله مبني على أمن الفتنة عند كشف الوجه ، وهذا رأي الفريقين ، وهو محل النزاع في الكشف من عدمه أما عند عدم أمن الفتنة فاجماع الفقهاء على وجوب الستر ، فهذا ليس محل نزاع . والذي يقدر الفتنة المراة نفسها أو زوجها أو وليها ، أو ظرف مجتمعها وهذا الأخير أقوى الدلالات والمرجحات على ستر الوجه .
ومحل الفتنة يغلب في أماكن التجمعات كالأسواق والجامعات المختلطة ونحو ذلك وليس من ذلك ، في رأيي ، قيادة السيارة ، ولذلك فليست القيادة من مواضع الوجوب .
وأمر آخر لا يجوز اغفاله في الفتوى وهو أن من رأى الوجوب من الفقهاء يحترم قوله وبخاصة أنه مبني على أدلة ظاهرة في فهم نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن رأت من النساء الأخذ بهذا الرأي ديانة أو عرفا ، يجب احترام رأيها ديانة أو عرفا . أو حقا شخصيا ، فلا يطلب منها أن ترفعه إلا لسبب مقبول معتبر ، وانما يكون السبب كذلك اذا دعت الرفعة حاجة ، أو حاجة تنزل منزلة الضرورة أو ضرورة من باب أولى ، فيجوز رفعه حينئذ بل قد يجب ، وقد نص الفقهاء على كشف الوجه لحاجة أو ضرورة العلاج ، وللشهادة ، وجوزوا ذلك في البيع والشراء . وعلى ذلك فالحاجة أو الضرورة قد تكون أمنية أو طبية أو غير ذلك كل بحسبه . وموضوع السؤال الناحية الأمنية للتعرف على هوية وشخصية من تقود السيارة. وهذا مبرر في دائرة الحاجة وقد يكون للضرورة ولا يكون إلا عند الاشتباه ، فلا بأس أن يتأكد رجل الأمن من شخصية من تستر وجهها ، للتأكد من أنها امرأة ، وهذا إن لم يمكن التعرف عليها من كلامها . وحين الاشتباه بأوراقها الرسمية الخاصة بها وبالسيارة . وأعتقد أن البطاقة المدنية ودفتر السيارة واجازة السيارة هي التي تعين رجل الأمن من التحقق من الشخصية بشكل رئيسي ، وأما الشكل فإن المجرم قد يغير شكله فيكون ملتحيا أو حليقا أو يعمل مكياجا ويلبس الباروكة أو يغير لون بشرته وشكله بعمليات بسيطة ، حتى ولو كان لدى رجل الأمن صور المطلوبين فقد يصعب كشفه ، ولهذا فإن اعتبار النقاب قضية أمنية كلام غير مسلم ، ومع ذلك لا نرى بأساً بأن تكشف من تقود السيارة عن وجهها لهذا الظرف المؤقت .
أما نقل القضية الى رفع النقاب بشكل دائم ، ومنع قيادة السيارة به ، فهذا مقصد مرفوض لأنه لا ينبني فعلا على أسس تجعل من النقاب خطرا أمنيا مستمرا .
وهذا المنحى من الفهم شأنه الإثارة ونحن بذلك نفوت أو نلغي به مصالح عديدة من قيادة المرأة للسيارة ، مصالح أسرية ووظيفية ، واجتماعية لا تخفى ، ونجلب في الوقت ذاته مفاسد ومضار من الاستعانة بالرجال في البيوت ، وخروج النساء معهم ، وما الى ذلك من مضار لا تخفى ايضا . والفتاوى التي رأيت تنحو هذا المنحى في المنع المطلق لظرف أو بدونه ، وهذا ما احتاج الى توضيح وبيان .
ونخشى أن الأخذ بهذا الفهم ، وهذا الاتجاه في معالجة الأمر من شأنه الإثارة غير المبررة ، وغير المقنعة ، وينبغي أن لا تكون أحكامنا ردة فعل ، فقد نعالج التطرف بتطرف آخر .
وعلى هذا فأقول للأخت صاحبة السؤال ولغيرها : لا ترفعي النقاب أو ساتر الوجه ما دامت ملتزمة به راغبة فيه إلا عند الحاجة الأمنية لرجل الأمن . ولا اثم عليك في ذلك لما بينا من أدلة ، ولظرف الحاجة ومثل الحاجة الأمنية الحاجة الطبية ، والحاجة مرهونة بظرفها تنتهي بانتهائه .
2006-02-19
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية