نفقة الدواء
9 ديسمبر، 20052,703 زيارة النفقة
السؤال :
زوجتي تطالبني بثمن الأدوية التي اشترتها لعلاج مرض بها، وتقول: إنك ملزم شرعاً بدفع ثمن الدواء. فهل هذا صحيح في حكم الشرع؟
الجواب :
اتفق الفقهاء على عدم وجوب شراء الدواء ولا أجرة الطبيب على الزوج وعللوا ذلك بقولهم: لأنه يراد لإصلاح الجسم، فلا يلزمه، وقاسوا ذلك على عدم لزوم المستأجر بناء ما يقع من الدار، وحفظ أصولها. كما قاسوه على أجرة الحجام والفاصد. لكنهم قالوا: إن ما تحتاجه الزوجة للتنظيف، كالدهن والسدر والمشط، وكل ما يعود بنظافتها وجب على الزوج، لأن ذلك يراد للتنظيف فكان عليه. قال ابن بطال من الشافعية: يجب لها ما تحتاجه من الدهن والمشط، لأن ذلك تحتاج إليه لزينة شعرها فوجب عليه كنفقة بدنها، ولأن فيه تنظيفاً فوجب عليه (ابن عابدين3/580 والدسوقي2/510 والمجموع17/ 104 والمغنى مع الشرح الكبير /231).
وذهب الزيدية والإمامية إلى أن ثمن الأدوية وأجرة الطبيب من نفقة الزوجة، لأن المراد بما دوام الحياة. وقد أخذ بذلك قانون الأحوال الشخصية الكويتي فنص في المادة (75) على الآتي:" تشمل النفقة الطعام والكسوة والسكن وما يتبع ذلك من تطبيب وخدمة وغيرها حسب العرف".
والذي نراه أن الدواء إن احتاجت إليه الزوجة، واحتمل ضررها إن لم يحضره الزوج وجب عليه. وهذا الوجوب الشرعي من وجوه.
أولاً- أنه من حسن العشرة المنصوص عليه في كتاب الله " وعاشروهن بالمعروف" وليس من حسن العشرة أن يبخل بدواء أو أجرة طبيب ويترك زوجه مع الألم الذي قد يزيد.
ثانيا- أن تطبيب الزوجة منفعة لزوجها، مقدمة بالأولى على تزيينها. فإذا كان من الواجب على الزوج نفقة ما تحتاجه لتنظيف بدنها، فمن باب أولى نفقة ما تحتاجه لإصلاح بدنها، وهو قياس أولوي صحيح، مبناه كلام ابن بطال السابق، فما وجب من النفقة لزينة شعرها، وجب من باب أولى لتطبيب بدنها، ثم إن الزوج قد ينتفع بزوجته بلا زينة، ولا كذلك انتفاعه مع المرض. فإصلاح البدن إصلاح لجوهر فهو أولى من إصلاح الشعر، وهو إصلاح لمظهر. وكما إن إصلاح المظهر لمنفعة الزوج فلزمت نفقته، فكذلك إصلاح البدن.
ثالثاً- أن مبنى تحديد مشمولات النفقة وهي الطعام والكسوة والسكنى مداره على العرف. فإذا جرى اليوم عرف بلاد على أن الدواء، وأجرة الطبيب يتحملها الزوج، فقد وجبت بالعرف كما هو حال بعض البلاد.
رابعاً- أوجب المالكية على المشهور عندهم أجرة القابلة على الزوج، وعمل القابلة تطبيب. ورجح ابن عابدين أنها على الزوج قال: لأن نفع القابلة معظمه يعود إلى الولد، فيكون على أبيه. وقد علل في البحر عن الخلاصة وجوبها على الزوج لمن رجح ذلك- بأن ذلك مؤنة الجماع. (الدسوقي2/510 وابن عابدين3/580) ونرى أن نفع القابلة ظاهر في عوده للأم. ولذا اعتبر مرض موت.
- كما أوجب المالكية النفقة الزائدة للأم بعد الولادة من مثل الحلبة والعسل والأغذية الدسمة مما جري به العرف وكثير من هذه الأغذية يراد به إصلاح البدن.
خامسا- أوجب المالكية على الزوج نفقة الزينة التي تستضر الزوجة عادة بتركها ككحل ودهن معتادين. الدسوقي/510، فلو اعتادت الزوجة دواء كحبوب مرض السكر مما يحتمل الضرر بتركها ألا يلزم الزوج بنفقة هذا الدواء.
سادسا- جعل الشافعي الدواء وأجرة الطبيب من النفقة الواجبة للأب وإن علا وللإبن فيلزم كذلك في الزوجة فالنفقة فيهما من جنسه واحد.
سابعا- الزم الفقهاء الزوج إخدام زوجته المريضة، التي لا تستطيع أن تخدم نفسها للمرض، فلأن يجب دواؤها أولى فإنها قد تستغني عن الخادم دون الدواء وأما قياس عدم لزوم نفقة التطبيب على عدم لزوم المستأجر نفقة بناء ما يقع من الدار بجامع عدم لزوم مالا يلزم في أصل الانتفاع. فقياس مع الفارق وباطل، ذلك أن جنس العلة وهو الانتفاع وإن كان موجوداً في الدار والزوجة. إلا أن سبب استحقاق الزوجة للنفقة هو احتباسها لحق زوجها وبيتها، والتمكن من الاستمتاع، وليس الاستمتاع ذاته، وسبب الأجرة في الدار الانتفاع بها فعلاً.
وأيضا فإن الزوجة ليست محل العقد على الحقيقة كالدار، بل هي طرف في عقد الزواج فمحله الزوجان. قال الشافعي في القديم:" تجب النفقة جميعها بالعقد، وبه قال أبو حنيفة، لأنه مال يجب للزوجة بالزوجية فوجب بالعقد كالمهر. (المجموع17/104 وابن عابدين 572/3، وملتقى الأبحر بتحقيق وهبي الألباني1/300) وقال ابن حزم:" وينفق الرجل على امرأته من حين يعقد نكاحها دعى إلى البناء أو لم يدع " المحلى 321/11. فالنفقة وجبت بالزوجية وأجرة الدار بالانتفاع المحض.
وإذا قلنا بوجوب نفقة الدواء وأجرة الطبيب على الزوج، فإنما تجب فيما تحتاجه أو تضطر إليه الزوجة ويكون بالمعروف، فيراعى حال الزوج يسرا وعسرا، ولا يكلف الزوج فوق طاقته كالاستدانة للسفر بها مثلا.
وما كان من التطبيب ترفا وترفها كالتجميل، وأدوات التجميل، وما إلى ذلك فإنه لا يلزمه، إلا أن يطلبه من زوجته لنفسه فيلزمه، وقد نص الفقهاء على أن الزوج إن طلب الخضاب من زوجته لزمته نفقته.
2005-12-09
شاهد أيضاً
الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية
بحث التحوط في المعاملات المالية
تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية