اختيار المسلمين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لتوقيت تاريخهم بُعد نظر ونفاذ بصيرة
وصف رئيس رابطة علماء الشريعة لدول مجلس التعاون الخليجي د.عجيل النشمي يوم الهجرة النبوية الشريفة بانه مبدأ ولادة امة جديدة تمارس دورا قياديا في الارض وان واجب المسلمين ان يتذكروا تاريخهم ويأخذوا منه العبرة. وقال ان واجب المسلمين كما هو واجب كل امة لها تاريخ ان تتذكر تاريخها وتأخذ العبرة منه وتجدد ما كان فيه من خير وصلاح، فإن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاله من ارض الى ارض حدث كان له في حياة الاسلام والمسلمين الأثر البليغ فاختار المسلمون يوم الهجرة مبدأ لولادة امة جديدة تمارس دورا قياديا في ارض الناس على مر التاريخ وتوالي ايامه ولياليه، فلابد من معنى كبير ومغزى عميق يكمن وراء ذلك.
وزاد: نعم انه مغزى كبير يتناسب ومهمة الامة الاسلامية الناشئة الجديدة، فمما لا شك فيه ان احداثا كثيرة كبيرة مرت على المسلمين قبل الهجرة وبعدها، والنبي صلى الله عليه وسلم يصنع الصحابة على عينه، يصنعهم بالمنهج العقيدي والتربوي، يصنعهم بالموقف العملي والجهادي، ومن خلال تلك المعاناة تمر على الصحابة رضوان الله عليهم الاحداث تلو الاحداث حتى كبر جسم الدعوة وامتدت دولة الاسلام شامخة قوية، واصبح الاسلام ثقل العالم ووجه حضارته وتقدمه، واصبح هو المؤهل الوحيد لريادة الناس وتعبيدهم لله عز وجل ونبذ ما سواه، وما التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الاعلى حتى بنى الدولة وكمل الدين.
التاريخ الإنساني
وبين د.النشمي ان خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تنبه المسلمين الى قضية مهمة لدولة اصبحت تصنع التاريخ الانساني وتؤثر فيه بعمق، لابد ان يكون لهذه الدولة بداية تبني عليها اسسها التاريخية وتسطره للأجيال اللاحقة حتى يرث الله الارض ومن عليها، فجمع عمر بن الخطاب رضوان الله عليه باعتباره خليفة المسلمين الصحابة واستشارهم في بدء التاريخ متى يبدأ تاريخنا؟ وما الحدث المهم والعلم الشاخص الذي يتناسب وهذا الاسلام؟ فأشار الصحابة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان يؤرخ تاريخهم بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الاختيار ان دل على شيء فإنما يدل على بعد نظر ونفاذ بصيرة، وتفاعل حقيقي مع احداث الدعوة منذ بدأها النبي صلى الله عليه وسلم، لقد مرت على المسلمين احداث كبيرة وكثيرة كانت كفيلة بالنظر القريب، وان تشد اليها عواطف المسلمين ويكون تأثيرها في احاسيسهم ومشاعرهم حيا نابضا، كان بامكان المسلمين ان يؤرخوا بداية دعوتهم وتاريخهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حدث لا يدانيه حدث وبشارة عمت الدنيا بأسرها وتحركت مظاهر الكون لها.
ومازال د.النشمي يذكر لنا اهتمام الصحابة بالتوقيت الهجري لأهميته، فيقول: ولعل الصحابة ادركوا واستنبطوا توقيت تاريخهم بالهجرة من قوله تعالى (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يتطهروا)، ففهموا من قوله تعالى (من اول يوم) ان ذلك اليوم يوم تأسيس اول مسجد وهو ما ينبغي ان يكون اول ايام التاريخ الذي يؤرخون به تواجدهم، وهذا استنباط دقيق سليم من قوله تعالى (من اول يوم) لا يمكن ان يكون إلا مضافا كما اذا قلت فعلته اول يوم لا يعقل الا ان يكون مضافا الى علم معلوم او شهر معلوم او تاريخ معلوم، وليس ههنا اضافة في المعنى الا الى هذا التاريخ يوم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره، من قرينة لفظ او قرينة حال ولذلك لما سمع عمر رضي الله عنه رأي الصحابة ودليلهم قال: نؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مهاجرة فرق بين الحق والباطل، ومن هنا ارتبط تاريخ المسلمين بدولتهم وفي هذا اشارة الى ان عند المسلمين دولتهم ووجودهم الحقيقي مربوط بوجودها، وبالتالي فإن زوالها انقطاع لحبل تاريخهم الذي لا يكون لهم عزة ولا منعة الا بوصلة، اذن لا انفصام بين الدين كعبادة والسياسة كحكم، فهذا المفهوم الشامل للإسلام هو الذي عناه الصحابة في لفتتهم الدقيقة وفقههم السليم، فالاسلام دين ودولة وعبادة وسياسة وروحانية وفروسية، هكذا فهم الصحابة من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيد نظرتهم هذه كل التأييد ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من اعمال بالغة الاهمية حينما وطئت رجله الشريفة ارض المدينة.
دليل الهجرة
اختيار النبي صلى الله عليه وسلم والصديق أبي بكر رضي الله عنه لعبدالله بن أريقط الديلمي، وهو رجل من كفار قريش، ليكون دليلهما في الطريق الى المدينة يدل على حسن الاختيار، لأن ابن أريقط قد سلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه طريق الساحل، الامر الذي لم يرد على خاطر قريش اذ لم يكن طريقا مألوفا في ذلك الحين.
الإذن بالهجرة
جاء امر الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة الى المدينة عندما نزل قوله تعالى (وقل رب ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ـ الاسراء: 80)، قال بعض المفسرين مخرج صدق: هو مكة، ومدخل صدق: المدينة، وسلطانا نصيرا اي انصاره.
ويروى ان الصديق ابا بكر كان ينوي الهجرة الى المدينة مع من هاجر من المسلمين، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال له صلى الله عليه وسلم: «على رسلك (مهلك) فإني ارجو ان يؤذن لي»، فاندهش ابوبكر رضي الله عنه وقال: هل ترجو ذلك بأبي وأمي انت؟ (اي هل تتمنى ذلك؟)، قال: «نعم»، فانتظر ابوبكر حتى يأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة ليكون معه رفيقا، وظل يعلف راحلتين مدة اربعة اشهر، وذات يوم كان ابوبكر جالسا في بيته وقت الظهيرة ففوجئ برسول الله صلى الله عليه وسلم يطرق عليه الباب وكان لا يأتيه الا في الصباح او المساء، فقال ابوبكر: والله ما جاء رسول الله في هذا الوقت إلا لأمر مهم، ودخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجلس معه وكانا بمفردهما واخبره ان الله اذن في الهجرة لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال ابوبكر رضي الله عنه: الصحبة يا رسول الله .