تشهد البلاد فصلا جديدا من فصول الممارسة الديموقراطية متمثلا في انتخابات مجلس الامة حيث بدأ المتنافسون الاستعداد للمعركة الانتخابية للفوز بمقعد البرلمان فهناك من يقيم الولائم للناخبين وهناك من يشتري الأصوات ومنهم من يخفيها تحت ستار تقديم الهدايا الثمينة أو وعود بخدمات غير مشروعة في حالة نجاحه في الانتخابات فهل هذا جائز شرعا وقانونا؟ هذا ما يجيب عنه رئيس رابطة علماء الشريعة والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.عجيل النشمي.
يؤكد د.عجيل النشمي أن الأصوات في الانتخابات شهادة وتزكية وأمانة، والشهادة لها مكانة خاصة في الشريعة والقانون، وعليه، كما يقول، يجب وضع الشهادة في موضعها ولكي يتجرد صاحب الشهادة من اي غرض فإنه لا يجوز شرعا ان يأخذ المسلم اجرا على الشهادة وان كانت شهادة بحق، ويأثم لو كتم شهادة الحق والعدل التي يرتب عليها انصاف المظلوم، فقد قال تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) الطلاق آية 2. وقال تعالى (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) البقرة آية 283. ولا يجوز للمسلم او المسلمة ان يشهد إلا بالحق فلا يعطي صوته وشهادته إلا لمن يعرفه معرفة واضحة، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة فقال لي: «يا بن عباس لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الى الشمس» (أخرجه الحاكم). وتكلم في احد رواته البيهقي لكن معناه صحيح.
شهادة زور
وقال د.النشمي: الذي يدلي بصوته لمن يعلم عدم كفاءته مع وجود الكفء تعتبر شهادته زور لأنها شهادة كذب ليوصل بها من لا يستحق الى موضع ومقام خير يحكم فيه مصير بلد ويتحدث فيه نيابة عن كثيرين بل انه يمثل الأمة ولا يمثل نفسه فإذا كان هذا الشاهد او هذا الناخب قد اخذ مالا لتوصيل هذا النائب فإن هذه الشهادة شهادة زور مركبة جمعت بين الكذب والبهتان وأكل المال بالباطل وهذا في الحرمة يأتي عند الله تعالى بعد الشرك بالله تعالى وعقوق الوالدين قال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئا، اهتماما ولبيان خطورة الثالثة فقال: الا وقول الزور وشهادة الزور، الا وقول الزور وشهادة الزور، فمازال يقولها حتى قلنا: يا ليته سكت».
بائع ضميره
وزاد: وانما اهتم النبي صلى الله عليه وسلم وكرر التحذير من شهادة الزور لما يترتب عليها من اقرار الباطل ومحاربة الحق والعدل وإحلال الظلم والبهتان مكانهما ولأن شهادة الزور فيمن يعطي صوته أو يبيع صوته بحال تنبئ عن نفس خبيثة وضمير مريض، فمن باع ضميره باع بعده كل شيء فإنه لا يؤتمن على وظيفة ولا منصب، فهو على استعداد ان يبيع وطنه وأمته ودينه، وهذه صفة الخونة الجواسيس الذين باعوا وطنهم وأعراض وأموال أهليهم وعشيرتهم لعدو ظالم، لذلك يستحق شرعا أقصى العقوبات التعزيرية ويفوض في هذه العقوبة القاضي، فقد يترتب على اعطائه صوته لخائن أو كذاب أو فاسق، ان يصل هذا الى المنصب الخطر فيرتكب الحماقات ويمارس الابتزاز، ويجني من المنصب الى جانب الوجاهة أضعاف ما دفع من مال وذلك كله بسبب هذا الذي باع ضميره بحفنة من المال، فلو رأى القاضي سجنه وضربه والتشهير به بين الناس واهانته بكل وسائل وأساليب الإهانة والحجر عليه فكل ذلك قليل في أمره.
واضاف د.النشمي ولا يقل خبثا من باع ضميره من اشترى هذا الضمير فدفع له المال، بل انه أشد خبثا منه لأنه هو المبادر المغري بالمال ضعاف النفوس، وهو مزور إذ طلب شهادة الزور وبذل في سبيلها المال، ويلزم عقوبته بأشد ممن باع، بل ان ثبوت شراء الصوت يسقط عنه منصب النيابة فترفع عنه الحصانة النيابية ليقدم الى المحاكمة، لأن ما بني على باطل فهو باطل، ولذلك اتفق الفقهاء على نقض الحكم القضائي إذا تبين ان الشهود قد شهدوا زورا وكذبا ويضمنون ما ترتب على شهاداتهم من ضياع أموال وغيرها.
واذا ثبت قضاء ان النائب قد وصل الى المجلس بطريق شهادات الزور ولو بشهادة شاهد زور واحد لا ينقص النصاب المطلوب للفوز فإنه يجب إسقاط عضويته، نظرا لأصل العمل لا لنتيجته كاختلاط الحلال بالحرام، فإن الحرام يغلب الحلال ومن سرق مرة فهو سارق، ومن قتل مرة فهو قاتل، كما يجب ألا يعطى فرصة لترشيح نفسه ثانية من باب العقوبة والردع له ولغيره.
وأكد د.النشمي ان شراء الأصوات ليس مجرد مظهر غير حضاري بل هو مظهر غش حضاري، ان صح التعبير، فإن الوصول للمجالس النيابية تمثيلا للأمة أسلوب مقبول حضاريا وإسلاميا لتوصيل الأكفاء وثقة بالناخب ان يمارس هذا الحق في حرية وأمانة، ونحمد الله ان شراء الأصوات ليس ظاهرة عامة لكنه مظهر فردي في نطاق ضيق، لكن التشديد في محاربته واجب حتى لا يكبر وينتشر ويصبح ـ لا قدر الله ـ ظاهرة، والمعنيون بمحاربة ذلك الدولة بأجهزتها المتعددة ومجلس الأمة مسؤول ايضا أن يحمي نفسه وسمعته فيقترح ويقر القوانين المجرمة لهذا العمل والمواطنون معنيون عناية خاصة بمحاربة هذا الأمر ببيان خطورته وحجب الصوت عمن يتعاطى دفع المال، بل والتبليغ عنه ليتم التحقق وإدانة من يثبت عليه شراء الصوت أو بيعه.