يرى د.عجيل النشمي ان علاج الفتاوى الشاذة ليس في منع الفتوى المطلق عبر الفضائيات، وانما بوضع معايير وشروط لمن يحق له أن يصدر الفتاوى، وقال د.النشمي: ولي الأمر يستطيع أن يمنع من ليس مؤهلا لإصدار الفتاوى، ونرى ان الفتاوى الشاذة التي تصدر بين حين وآخر مقابلها مئات بل آلاف الفتاوى الصحيحة والسليمة، كما ان الفتوى الشاذة لا يبنى عليها حكم ولا يتخذ عليها قرار ولا يعول عليها ونجد من العلماء من يبادر بالرد عليها وكشف زيفها، مؤكدا ان الناس بحاجة الى الفتاوى نظرا لمستجدات الحياة وتطورها وتحدث للناس من القضايا والأحكام والحوادث ما يحتاجون معه الى معرفة الحكم الشرعي.
وردا على تنظيم عملية الفتوى وقصر إصدار الفتاوى على أعضاء هيئة كبار العلماء كالقرار الذي أصدرته المملكة العربية السعودية، قال د.النشمي: أرى كثرة الفتاوى في شتى وسائل الإعلام وأرى ان حصر الافتاء في جهة واحدة قد يكون صعبا، وحينما نغلق كثيرا من المنافذ سيلجأ الناس الى مصادر أخرى لأخذ الفتوى، لذلك أرى ان تترك الأمور ويختار الناس من يثقون بدينه وتقواه ممن توافرت فيه شروط الفتوى التي حددها العلماء، علما بأن الفتوى غير ملزمة.
الفتوى دين
واشترط العميد السابق بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.محمد الطبطبائي فيمن يتصدى للافتاء ان تتوافر فيه شروط الفتوى ويشهد له العلماء الموثقون بأنه أهل لها، لأن الفتوى أمرها خطير ولها شأن عظيم ولها ضوابط وأحكام، وينبغي ان تعطى قدرها من المسؤولية حتى لا يكون هناك انفلات فيها من غير المؤهلين الذين يطلقون الفتاوى المثيرة للفتن والقلاقل في المجتمع، وتوقع الناس في حيرة وقلق وتكون لها آثار سلبية ضارة، لذلك أطالب ان يمنع ولي الأمر من ليس أهلا للفتوى فيضر نفسه ومجتمعه ويشوش على الناس في أمور دينهم، وبين د.الطبطبائي ان القنوات الفضائية قد أدخلت على الساحة الدعوية والإعلامية من ليسوا من أهل الفتوى من غير المختصين والعلماء، واعتلوا هذه المنابر الإعلامية فأصدروا الفتاوى التي تضر بالمجتمع وثوابته، وحث الناس على ان ينظروا فيمن يأخذون عنه دينهم والفتوى دين.
أخطر القضايا
الباحث الإسلامي صالح الغانم أكد ان الافتاء قضية من أخطر القضايا في دين الإسلام على الاطلاق لأنه المرشد الى العمل، مشيرا الى ان الحكام والسلاطين وعامة الناس من أصحاب المهن الضرورية كالأطباء والمعلمين والتجار والصناع حتى الزوج مع زوجته والأب مع أبنائه كل هؤلاء يحتاجون الى من يفتيهم في أمور دينهم فلا عجب أن نسمع قول الله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم) فالله عز وجل قد أفتى الصحابة في جملة من المسائل قد جمعها الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين» الذي يحتوي كل ما يحتاج اليه طالب العلم من آداب الفتيا وأخلاق المفتي والمستفتي.
وزاد: ولأجل هذا ولأهمية الفتيا فقد حرّم الله القول عليه بغير علم (وان تقولوا على الله ما لا تعلمون).
وجاء في الأثر «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار»، وكان الصحابة الكرام يتدافعون الفتوى حتى يأتي السائل إلى أحد الصحابة فيسأله عن أمر فيحيله إلى آخر، والآخر يحيله إلى غيره وهكذا حتى يراجع 120 صحابيا كل منهم يأبى أن يفتي لا بسبب قلة العلم ولكن بسبب كثرة الورع.
وحذّر الغانم من الافتاء بغير علم، وقال انها من كبار الذنوب والعياذ بالله، وان الواجب على كل مسلم أن يحظر القول على الله بلا علم، كما ان الفتوى الصادرة من الذين عيّنهم ونصّبهم ولاة الأمر أقرب الى الصواب خاصة اذا صدرت هذه الفتوى بأسلوب جماعي أقرب الى الشورى.
محنة المسلمين
ويحذر د.بسام الشطي من بعض الفتاوى الشاذة التي تطلق من قبل مشايخ العلم وتسبب بلبلة كبيرة في أوساط المسلمين وتشكك في أحكام الشريعة الإسلامية في وقت يلاقي فيه المسلمون المخلصون والدعاة إلى الله تعالى تضييقا كبيرا وهجوما شرسا من أعدائهم وسعيا حثيثا لطمس هويتهم واجتثاث عقيدتهم.
وأشار الى ان هناك دعوات محاربة الإرهاب لا تتوجه الا الى المسلمين وإلى مناهجهم وعقيدتهم فأصبح النقاب رمزا للتطرف والهمجية، كما أصبح صوت الاذان نشازا يجب ايقافه ومنعه، وغيرها من مظاهر التضييق على المسلمين في كل مكان.
وضرب د.الشطي مثلا لهذه الفتاوى الشاذة مثل فتوى جواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة وغيرها من الفتاوى، وقال ان تلك الفتاوى من شأنها ان تفاقم من محنة المسلمين وآلامهم لاسيما في زمن أصبحت الكلمة التي يطلقها كائن من كان تبلغ عنه الآفاق وترددها وسائل الإعلام، لا فرحا بها وانما شماتة بقائلها من المسلمين، يقول الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، ويقول: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا»، ويقول الإمام علي رضي الله عنه «حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله»، ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه «انك لن تحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة».
وشدد د.الشطي على واجب العلماء الربانيين ان يقفوا بالمرصاد لتلك الفتاوى الشاذة وان يطالبوا أولياء الأمور بالأخذ على أيدي قائليها ومروجيها وان يقوموا ببيان الحق في كل مسألة من المسائل ليطمئن الناس على دينهم، (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب).