كلمةالضيوف
يلقيها الشيخ عجيل جاسم النشمي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونصلي ونسلم على المبعوث سلاماً وأمناً وزكاة وهداية للعالمين وعزاً للمسلمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ،،، أشكر لإخواني المسايخ والضيوف الذين شرفوني بالإنابة عنهم لإلقاء هذه الكلمة ، ولاغرو فالله قدَّم أهل العلم على من سواهم ، وأعلا شأنهم وسما بمقامهم في الدنيا ووعدهم مكانة سامية في الآخرة ، فقال عز من قائل : ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذي أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ” ( المجادلة 11).
كما أعلا الله قدر الحاكم العادل أيضاً حتى ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” إن المقسطين على منابر من نور : الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلّوا ” (رواه مسلم) .
والحمد لله الذي جمعنا في هذا البلد الكريم أهله ، الخيرة أرضه المباركة بأقدام من وطئها من أصحاب النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم .
وإن شرف اللقاء بشرف موضوعه وأهميته ولاشك بأن مفهوم الوطنية والمواطنة وتحديد الحقوق والواجبات من أهم القضايا الملحة اليوم لأنها تعني إذا وضعت في موضعها الأمن والأمان والاستقرار ، وضياعها يعني الفوضى والاضطراب .
وقد وفق القائمون المنظمون لهذه الندوة باختيار عنوان الوطن والمواطن حقوق وواجبات :
فإن كل حق يقابله واجب ، وما لم يقم كل طرف بواجبه يتعذر أن يعطى حقه كاملاً ، فالدولة صاحبة السيادة يربطها وشعبها عقد الولاء والسيادة ، وهو في الشريعة كما قال الماوردي : سياسة الناس في أمور دينهم ودنياهم ، فواجب الدولة رعاية مواطنيها ، ومن هو مقيم على أرضها ، والرعاية تعني توفير سبل العيش الكريم ، من وظيفة ومسكن ، وحياة كريمة ، وينظم هذه العلاقة دستور وقانون .
ويقابل هذا الواجب على الدولة حقوق لها على مواطنيها ومن يقيم على أرضها ، وهو الالتزام باحترام النظم والقوانين ، والعمل الإيجابي في غرس مفاهيم الوطنية ، ونبذ العصبية أياً كان نوعها مما يعكر صفاء العلاقات ، ويورث الخلاف والفرقة ، وهما سبب من أهم أسباب تفكك المجتمعات ، ومن ثم الاضطرابات والانقسامات ، وهما أسرع طريق لانهيار الدول .فإن الدول إنما تنهار من أمراضها الداخلية لامن الأخطار الخارجية .
فإن لحمة المجتمعات وسداها تآلف أفرادها وتعاونهم في سبيل نهضة وطنهم وقوتهم وتوحيد انتمائهم وهويتهم في دولة واحدة وقانون ودستور واحد .
ومن هذا الجمع بين الواجبات ومقابلتها بالحقوق تتفرع العلاقات ، وتبنى الجسور النظامية والعاطفية بين المواطن والوطن ، و بين الشعب وحكومتة ، ولابد من توضيح معالم هذه العلاقات بين المواطن والوطن ، ولعل أهم مضامين هذه العلاقة أمران :
أولاً : الحفاظ على الهوية :
ولا ينبغي الاختلاف في ذلك ، فإن الاختلاف في تحديد الهوية يعني ضياعها ، والسير بلا هدف ، ويعني ضياع الجهود ، والتخبط في المسير ؛ لأنه مسير لا إلى هدف ، وإن مما لا خلاف فيه أن هويـة بلادنا العربية هي العروبة والإسلام او قل الإسلام ثم العروبة ، وليسا هما مفهومين متباينين ، بل هما متكاملان ، بل قل إنهما متلاحمان ، فالعروبة الانتماء للعرب ، فالإسلام هو الذي يشكل هوية العرب ، كما يشكل هوية غير العرب فالإسلام هو الرابط وهو الهوية
والحفاظ على الهوية شأن الدولة في نظمها وقوانينها وسلطاتها الثلاث متكاملة ، ثم هو شأن المواطنين بشطل مباشر والمقيمين أيضا بطريق غير مباشر فيتحمل الكل مقابل ذلك الولاء ، والامتثال واحترام الدين والتقاليد والعادات الحميدة التي هي من سمات هويتهم الوطنية والخلقية .
ثانياً : الشعور بالانتماء :
العلاقة المتبادلة بين الوطن والمواطن مبناها شعور المواطن بالانتماء لوطنه ، هذا الشعور ليس مادة توهب أو تشترى ، أو يتلقاها درساً عابراً ، إنما هي عملية تراكمية تنشأ مع الفرد منذ ولادته على هذه الأرض ، ومشيه المتدرج على أرضها طفلاً فشاباً فرجلاً ، في مراحل تربيتة أسرياً ومدرسياً ومجتمعياً ينمو هذا الشعور بنموه في مراحل حياته كلها ، وإبان ذلك يغذى بحب هذا الوطن الذي عاش وتربى فيه ، وتكونت له فيه ذكريات ومواقف .
ومن جانب آخر يغذي هذا الشعور عوامل من أهمها الدين ، ويتفاعل معها طفلاً وشاباً ورجلاً ورب أسرة ، وطفلة وشابة وامرأة ، زوجة وربة بيت ، كما يغذي هذا الشعور إلى جانب الدين اللغة والثقافة والعادات والتقاليد ، أو قل التراث القديم والحاضر ، وبمجموع ذلك تتكون لحمة الانتماء للأرض أو الوطن الذي يعيشه ، وبهذا الشعور تنمو لديه الإيجابية الذاتية ، فيخلص في عمله بقدر إخلاص حبه وولائه ، أو هكذا ينبغي أن يكون .
هذا الشعور هو الذي تجيش به النفس حين يفارق وطنه إلى بلد لم يتكون له فيه رصيد من المعايشة والتفاعل والذكريات ، وهذا الشعور ينمو بغض النظر عن المواقف السلبية التي قد تواجـه المرء في بلده ، فقد يطرد من بلده طرداً ، وقد تصادر أمواله ، ويؤذى في نفسه وماله ودينه ، ومع ذلك فهذا الشعور لا يخفت ولا يخبو ، بل حتى لو اضطر أو يختار جنسية الدولة التى استقر فيها مقامه ، ومع ذلك فإن ميله وحبه إلى بيته الأول بعد قويا جياشا .
وأختم كلمتى بما بدأت به بالشكر لراعي الخير وراعي الندوة صاحب المعالي الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفه حفظه الباري ومتعه بالصحة والعافية ، كما أشكر لإخواني المشايخ الذين كرموني بإلقاء هذه الكلمة ، كما أشكر الحضور الكرام جميعا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته