تعقيب على البحثين المعدين
في موضوع ( إجارة العين لمن باعها )
المقدمين للملتقى الفقهي الرابع
لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار
المنعقد في مدينة الرياض
في الفترة من 23 – 24 / 10 / 1424 هـ الموافق 17 – 18 / 12 / 2003 م
إعداد
د . عجيل جاسم النشمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فبناءً على اطلاعنا على البحثين القيمين في حكم ” إجارة العين لمن باعها ” يتبين أن ما يحتاج إلى النظر في هذه المسألة هو اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة منتهية بالتمليك ، وفي طريقها اشـتراط إجارة العين لمن باعها إجارة عادية . ولما كان حكم أصل المسـألة مبنياً على مشروعية الإجارة المنتهية بالتمليك ، اقتضى الأمر البدء بذلك ، ثم حكم اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة عادية ، توصلاً إلى محل النظر وهو اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة منتهية بالتمليك.
أولاً : الإجارة المنتهية بالتمليك :
يكاد نظر الفقهاء المعاصرين يتفق على مشروعية عقد الإجارة المنتهية بالتمليك بضوابط محددة ، وقد جرى عليه عمل المؤسسات الإسلامية مستأجرة أو مؤجرة .
وقد أفاد هذا العقد هذه المؤسسات كثيراً من حيث احتفاظها بملكية الأعيان المؤجرة مع زيادة أرباحها لطول مدة الأجل واسترجاع رأس المال .
كما أن المؤسسات المالية قد تدخل طرفاً ثالثاً ممولاً للشركات أو المصانع ونحوها .
ولا يخفى أن ليس من مصلحة ولا من أهداف المؤسسات المالية الإسلامية ولا غيرها . أن تتملك ولمدة طويلة التجيهزات والآلات والحاملات الضخمة كالطائرات والسفن ، وبواسطة هذا العقد يمكنها أن تشتري هذه الأعيان لا بقصد تملكها ، وإنما بقصد الاسترباح بتأجيرها للراغب فيها المختص بإدارتها واستثمارها ، ثم هو يتملكها بعد انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها ، وقد احتفظ بها وحافظ عليها طوال تلك المدة حفاظه على أملاكه .
ومن ناحية أخرى فإن هذا العقد يسر على أصحاب الأموال وخاصة أصحاب الدخول البسيطة المحدودة تملك الدور بعد استئجارها ، ولذا فإن هذا العقد المستحدث يعتبر من أدوات التنمية الناجحة في البلاد الفقيرة خاصة ، وتجربة بنك التنمية الإسلامي بجدة خير برهان .
ولكن مشكلة هذا العقد في ضوابطه وفي تطبيقه فقد يكون ذريعة إلى مفاسد عقدية ، أو يكون ذريعة إلى الربا أو التحايل لتصحيح عقود باطلة . وفي الوقت ذاته قد يكون عقداً مشروعاً محققاً لمصالح ومقاصد شرعية معتبرة .
وإنما يكـون مشروعاً بالصيغة التي أقرها مجمع الفقه في قراره رقم 110(4/12) ، ويحسن ذكر نصـه بغية معرفة الضوابط التي هي مناط الحكم بالصحة .
الإيجار المنتهي بالتمليك :
أولاً : ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي :
أ – ضابط المنع : أن يرد عقدان مختلفان ، في وقت واحد ، على عين واحدة ، في زمن واحد .
ب – ضابط الجواز :
1 – وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر ، زماناً بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة ، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة ، والخيار يوازي الوعد في الأحكام .
2 – أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع .
ج – أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من غير تلف ناشئ من تعدى المستأجر أو تفريطه ، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة .
د – إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونياً إسلامياً لا تجارياً ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر .
هـ – يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين .
و – تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة .
ثانياً من صور العقد الممنوعة :
أ – عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة ، دون إبرام عقد جديد ، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعاً تلقائياً .
ب – إجارة عين لشخص بأجرة معلومة ، ولمدة معلومة ، مع عقد بيع لـه معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة ، أو مضاف إلى وقت في المستقبل .
ج – عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر ، ويكون مؤجلاً إلى أجل طويل محدد ( هو آخر مدة عقد الإيجار ) ، وهذا ما تضمنته الفناوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية ، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .
ثالثاً : من صور العقد الجائزة :
أ – عقد إجارة يُمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة ، واقترن به عقد مستقل ، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة .
ب – عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة .
ج – عقد إجارة يُمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة ، واقترن به وعد بيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان .
د – عقد إجارة يمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ، مقابل أجرة معلومة ، في مدة معلومة ، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق أو حسب الاتفاق في وقته .
ثانياً : اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة عادية ( تشغيلية ) :
الاشتراط هنا ومثله ما يسمى بمذكرات التفاهم ، أو المداولات التمهيدية ، كل ذلك الموطأة ، وهي كالشرط المتقدم ، والشرط المتقدم كالشرط المقارن على الراجح مـن مذاهب الفقهاء ، وقد منع من هذا العقد بصيغة الشرط جمهور الفقهاء ، وأجازه المالكية وابن تيمية .
والتحقيق أن أدلة الجمهور قابلة للمناقشة والرد ، إذ بنوا أدلتهم على أن هذا العقد من قبيل ” بيعتان في بيعة ” أو ” صفقتان في صفقة ” وقد ورد النهي عن ذلك من حديث أبي هريرة t أن النبي r ” نهى عن بيعتين في بيعة ” وحديث عبد الله بن مسعود t أن النبي r ” نهى عن صفقتين في صفقة واحدة ” وهما حديثان صحيحان . لكن العلماء اختلفوا في تفسير الحديثين اختلافاً ظاهراً يضعف الاستدلال ويجعل قصر التفسير على محل النزاع في المسألة نوع تحكم ، بل إن فرض مسألتنا بيعة واحدة اشترطت الإجارة فيها ، وليست بيعتين في بيعة ، ثم إن أدلة المالكية وابن تيمية راجحة لقوة المستند إذ اشتراط عقد في عقد إذا كان فيه منفعة للناس ، ولم يكن متضمناً ما نهى الله عنه ورسوله r ، فهو جائز مشروع إذ الأصل صحة الشروط التي لا تخالف الشرع في جميع العقود ، وكل ما ينفع الناس ، ولم يحرمه الله ورسوله r فهو الحلال الذي ليس لأحد تحريمه . وقد وفى البحثان الأدلة والمناقشات فليرجع إليهما .
ولقد نبّه الشيخ نزيه حمّاد – حفظه الله – إلى نفي الفارق بين ما ذكره الفقهاء من جواز اشتراط عقد في عقد فيما إذا كان المعقود عليه في كل من العقدين مختلف ، مثل عبد بعبد ، أو ثوب بثوب ، أو دار بدار ، وبين مسألتنا والمعقود عليه محل واحد ، دار تباع ويشترط البائع إجارتها لـه . ونفي الفارق صحيح ؛ لأن المعنى ( الوصف ) الذي أنيـط به الحكم واحد وهو اشتراط عقد في عقد في الحالتين واحد ، لكن شبهة العينة أظهر في صورة المحل الواحد .
ثالثاً : اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة منتهية بالتمليك :
مع القول بجواز الإجارة المنتهية بالتمليك ، وجواز الاشتراط فيها بضوابطه ، إلا أن التطبيق قد يفرز بعض الصور أو الصيغ ظاهرها الصحة ، وهي صورية ، وقد تكون ذريعة وتحيلاً يتوسل بها إلى الحرام ، وقد تكون ساترة للربا أو شبهاته .
ولقد وافق الشيخ عبد الله العمار – حفظه الله – على صيغة اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة منتهية بالتمليك إذا كانت الإجارة حقيقية ، وكان الضمان على المؤجر ، ولم يقصد بها التحيل على التمويل الربوي ، ونفى أن يكون هذا العقد من بيع العينة ، ولم يبد النظر في واقعة الحال التي ذكرها الشيخ نزيه حماد – حفظه الله – وأبطل بناء عليها اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة منتهية بالتمليك . وهي صيغة صكوك التأجير الإسلامية ، الصادرة في البحرين ، ولما كانت هذه الصيغة مشمولة بمحل البحث ، وقد تتخذ أسوة لغيرها من التطبيقات ، ومقصود هذا اللقاء العلمي التوجيه والتسديد ، فلا بأس من ذكر صيغة هذه الصكوك مختصرة والأدلة التي استند إليها الشيخ نزيه حماد في إبطال هذه الصيغة ومناقشتها .
لقد أصدرت حكومة البحرين أكثر من صك بعنوان صكوك التأجير الإسلامية ، وجاء في ديباجة الإصدار تعريف بالصك وتلخيص لشروطه وضوابطه كما هي في النص الآتي : ” صكوك التأجير الإسلامية هي أداة مالية تمثل أصولاً في أصول حكومية ( محطة الرفاع لإنتاج الكهرباء ) تصدرها مؤسسة نقد البحرين نيابة عن حكومة مملكة البحرين بغرض إيجاد مجالات جديدة لاستثمار فائض الموارد المالية في المجتمع ولتمويل الإتفاق الرأسمالي لمشروعات التنمية المختلفة ، وتقوم حكومة مملكة البحرين بموجب هذا الإصدار ، بطرح تلك الأصول على المستثمرين لشرائهم لها من الحكومة ثم تأجيرهم إياها للحكومة بقسط تأجيري موضح أدناه ، بموجب عقد إجارة منتهية بالتمليك بحيث تعد حكومة مملكة البحرين بإعادة شراء تلك الأصول في نهاية مدة الإصدار بثمن يمثل القيمة الأصلية التي اشتريت بها من الحكومة ، وتقوم مؤسسة نقد البحرين بإصدار هذه الصكوك نيابة عن حكومة مملكة البحرين ، طبقاً للضوابط والشروط التالية : وذكرت المذكرة هذه الشروط والضوابط تفصيلاً ، وسيأتي ذكر ما نحتاج إليه من خلال نقول الشيخ نزيه حماد .
لقد شنع الشيخ نزيه حماد بشدة على هذه الصيغة ، ووصفها بالبطلان من ثلاث جهات : العينة ، وإبطال عقد الإجارة الذي بني عليه العقد ، وضمان البائع – المستأجر فيما بعد – استمرارية استئجاره للأصول ، وفيما يلي تلخيص إبطال هذه الصيغة من الجهات الثلاث ، ثم تعقيب بالمناقشة :
أولاً : العينة :
يقول الشيخ : إن مسألة إجارة العين لمن باعها إجارة منتهية بالتمليك بناءً على مواطأة متقدمة أو اشتراط في عقد الشراء قضية خطيرة تحتاج إلى نظر وتأمل ، وبخاصة إذا أمعنا الفكر في صورها وتطبيقاتها المعاصرة في المؤسسات المالية الإسلامية ، ومدى انسجامها مع أصل ” سد الذرائع ” و ” إبطال الحيل الربوية ” .
وقد تبين لي بعـد التعمـق في فهم حقيقة هذه المنظومة العقدية المترابطة ( التي لا تقبل التفكيك والانفصال ) ومقصود العاقدين منها ومآلها أن المواطأة بين طرفين على بيع أحدهما للآخر عينَهُ الاستعمالية ( أي التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء ذاتها ) بثمن معجل ، ثم تأجير المشتري تلك العين من بائعها إجارة منتهية بالتمليك ببدل محدود مؤجل ( أو مقسط على نجوم ) أكثر من الثمن المعجل الذي باعها به … إنما هي اتفاقية على إضمار ( إخفاء ) قصدهما التعامل بحيلة ربوية بالجمع بين عقدين مشروعين عند الانفراد ، محظورين عند الاجتماع لإفضائهما عنده إلى صورة مستحدثة من ” العينة ” ، حيث إن البائع قصد بهذه الصفقة استعادة ملكية العين التي باعها مشتريها – بذريعة الصيغة العقدية المركبة الموسومة بالإجارة المنتهية بالتمليك – بثمن مؤجل أكثر من الثمن المعجل الذي باعها لـه به ، واتفق مع المشتري مسبقاً على ذلك ، فكانت محظورة باطلة ؛ لأنها حيلة إلى القرض الربوي .
ونعقب على ذلك : بأن المواطأة والاشتراط في هذا العقد لا يبطل أصل المشروعية ، وقرار مجمع الفقه لا يمنع من أن يتم العقد بالاشتراط والمواطأة نصاً أو لفظاً أو عرفاً لكن وفق الضوابط المذكورة ، فالمنع ليس للاشتراط ، وإنما هو للإخلال بالضوابط أو مخالفة القواعد المعتبرة ، أو لكون العقد يستر الربا ، وهذا ما قرره الدكتور نزيه في الإجارة المنتهية بالتمليك حين قال : ” وحقيقة هذه الصورة أنها صيغة تمويلية تتم عبر منظومة عقدية مؤلفة من عقود والتزامات وعدية مترابطة الأجزاء متوالية المراحل ، يتواطأ طرفاها على قيام المالك بتأجير أصل عيني للآخر بأجرة محددة إلى أجل معلوم بشرط تمليك العين المستأجرة بعقد هبة تال لعقد الإجارة … وحكم هذه الصورة الجواز والمشروعية بالضوابط التي جاءت في قرار المجمع ” .
فالمواطأة والاشتراط موجود ، ولكن الإبطال يأتي من خارج من مثل عدم الالتزام بالضوابط ، أو يكون العقد ساتراً لمحذور.
وأما إبطال العقد للعينة التي ذكرها الشيخ نزيه فهذا صحيح ، ونحن معه في تضمن هذه الصكوك للعينة الظاهرة ، ولكن العقد إذا أمكن تصحيح على وجه لا يبطل .
وههنا يمكن تصحيح العقد بنفي العينة بإدخال طرف ثالث ، فتبيع الحكومة إلى بنك أو نحوه فيملك البنك الأعيان مقابل تسليم الثمن ، وتنتقل الملكية لـه ويدخل في ضمانه ، ثم يقوم البنك بتصكيك الأعيات فيملكها المستثمرون ، ثم يقومون بإجارة الأعيان للحكومة إجارة منتهية بالتمليك ، ويجوز حينئذ أن تضمن الحكومة حق الإصدار باعتبارها طرفاً ثالثاً . كما ينبغي أن يكون الضمان والتأمين والصيانة مدة الإجارة على الملاك حملة الصكوك فتطبق شروط الإجارة في مدة الإجارة .
ثانياً : بطلان عقد الإجارة :
يقول الشيخ نزيه : الذي يظهر لي أن في هذه الصكوك إشكالاً شرعياً آخر مرده إلى أن صكوك ملكية الأصول العينية في الإجارة الممنتهية بالتمليك إنما تكون سائغة الإصدار والاقتناء والتداول شرعاً إذا كان عقد الإجارة الذي بنيت عليه صحيحاً مشروعاً في النظر الشرعي ، أما إذا كان محظوراً فاسداً ، فإن صكوكه تكون كذلك باطلة مردودة ، ثم يبين بطلان الإجارة باعتبارها جزءاً من هذه الصفقة وهي في حقيقتها ضرب من العينة التي ستر بها القرض الربوي .
ونعقب على ذلك : بأن الشيخ نزيه بين وجه بطلان عقد الإجارة باعتباره جزءاً من من عقود مترابطة سترت قرضاً ربوياً وأيضاً يبطل لاختلال الشروط أو الضوابط مثل إلزام المستأجر خلال مدة الإجارة بنحو الضمان والتأمين والصيانة الأساسية ، باعتبار أن الأعيان ملكه ابتداءً وانتهاءً ، والعقد المذكور المنظم لهذه الصكوك يلتزم فيه المستأجر – وهو الحكومة – في المادة (4) فقرة (د) بإجراء الصيانة الأساسية والصيانة الدورية للعين المؤجرة .
وهذا مخالف لا ريب لقواعد عقد الإجارة ، فينبغي جعل ذلك على المالك ليصح العقد .
ثالثاً : ضمان البائع استئجار الأصول مدة الإصدار :
يقـول الشـيخ نزيه : ” تنص ضوابط وشـروط الإصـدار على ضـمان البائع ( المستأجر فيما بعد ) اسـتمرارية استئجاره لتلك الأصول طيلة مدة الإصدار ، ومقتضى ذلك التزام المستأجر بدفع جميع الأقساط الإيجارية طيلة المدة المحددة لعقد الإجارة في جميع الأحوال ( حتى لو هلك الأصل المؤجر خلال مدة الإجارة بآفة سماوية كزلزال وحرب وغير ذلك ) ، وهذا الالتزام غير المشروط يعني تفريغ عقد الإجارة من مضمونه – بتغيير بعض أحكامه الأصلية – وتحويله إلى عقد صوري يمكن استخامه لإخفاء الغرض التمويلي بالقرض الربوي المستتر ، كاستخدام التيس المستعار في نكاح التحليل ” .
ونعقب على ذلك : بأن هذا المقتضى لا يفهم من إطلاق العبارة ، فالهلاك خلال مدة الإجارة بآفة سماوية أو نحوه مما تحكمه قواعد الظروف الطارئة المنظمة في القوانين . إذ كل ما لم ينص عليه في العقود يرجع فيه إلى قانون البلاد المعنية .
وبناءً على ما سبق فأرى جواز اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة عادية ، كما يجوز اشتراط إجارة العين لمن باعها إجارة منتهية بالتمليك بضوابط الجواز التي نص عليها قرار المجمع سالف الذكر ، بالإضافة إلى اشتراط الآتي :
1 – أن يكون شراء المستأجر – المالك أولاً – للعين بسعر السوق حسب الاتفاق في وقته ، وبعقد مستقل .
2 – أن يخلو العقد مما قد يكون تحايلاً على الربا .
3 – إذا أضيف بالعقد شروط تجعل الضمان والصيانة الأساسية على المستأجر – المالك أولاً – أو ضمان الإصدار بسعر الشراء ونحو ذلك مما يجعل العقد عقد عينة . فيجب تعديل الشروط ، وإدخال طرف ثالث ليصح العقد وتنتفي العينة أو شبهتها .
وأختم بالشكر للباحثين الكريمين على بحثيهما القيمين ، أثابهما الله وجعل أجرهما ثقيلاً في ميزانهما . والله أعلم .
د . عجيل جاسم النشمي