الهيئة الشرعية العالمية للزكاة
الأمانة العامة – الكويت
الكلمة التذكارية للأستاذ الدكتور / عجيل جاسم النشمي
رئيس الهيئة الشرعية العالمية للزكاة
بمناسبة انعقاد
الندوة الخامسة عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة
المنعقدة في دولة الكويت
الفترة من27-29 صفر 1427هـ الموافق 27-29مارس 2006م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونصلى ونسلم على المبعوث سلاماً وأمنا وهداية للعالمين . سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
فالحمد لله الذي قدًّم أهل العلم على من سواهم ، وأعلا شأنهم وسما بمقامهم في الدنيا ووعدهم مكانة سامية في الآخرة . فقال عز من قائل : ] يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات والله بما تعملون خبير [ [ المجادلة : 11 ] . وقـال العزيز الغفور : ] إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور [ [ فاطر : 28 ] ، وقال العليم الخبير :]قُل هي يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون[ [الزمر: 9 ] . ويقول e : ” إن الله و ملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير ” ( رواه الترمذي – حديث صحيح ) .
كما أعلى الله قدر الحاكم العادل وذكره النبي e في أول السبعة الذين يُظِلهم في ظِله يوم لا ظِل إلا ظِله . وقال صلى الله عليه وسلم : ” إن المقسطين على منابر من نور : الذين يعدِلُون في حكمهم وأهليهم وما ولو ” (رواه مسلم) ، ولا يكون عادلاً إلا بتطبيق شريعة الله عز وجل .
أيها العلماء .. أيها الحضور الكرام …
نجتمع في هذا اليوم لنشرف بشرف موضوع اللقاء ، الزكاة هذا الركن المكين الذي قرنه الله تعالى بركن الصلاة في سبع وعشرين موضعاً وذكرت مفردة ثلاثين مرة .
ويزيدنا شرفاً أن يكون دور العلماء الحضور وضع قانون مستوعب لأحكام الزكاة كلياتها وجزئياتها في مواد محددة تأخذ بالاعتبار اختلاف نظم وزمان ومكان التطبيق على مستوى العالم الإسلامي . وهي مرحلة هامة تتوج عمل الهيئة الشرعية العالمية لقضايا الزكاة بعد أربع عشرة ة ندوة سلفت ، دُرِست فيها أهم قضايا ومعضلات الزكاة ومشكلات التطبيق ، وقد نظرتم في زهاء مائة وعشرين بحثاً وأصدرتم زهاء مائتي قرار وآن الأوان لجمع هذا التراث الفقهي المعاصر ليكون قانون الزكاة .إلى جانب إنجازكم الكبير الذى يجرى العمل به فى الشركات اليوم والحمد لله وهو ” دليل الإرشادات لمحاسبة زكات الشركات ” الذى استغرق إنجازه قرابة ست سنوات .
وفي إعدادهذا المشروع إشارة إلى أولياء أمور المسلمين بأن العلماء فقهاء وقانونيين واقتصاديين ومحاسبين قد قاموا بما كان يجب على الحكام القيام به ، فهم المخاطبون ابتداءً بجمع الزكاة وصرفها . ولم يعد لهم مندوحة أو حجة في التواني عن تطبيق هذا الركن وهو مع ما فيه من عون لميزانية الدولة من جهة سد حاجة الفقراء ونحوهم ممن يستحقون الزكاة ، إلا أن مما يجب التنبيه عليه أن الزكاة لها خصوصية من دون سائر العبادات فقد تولى المولى ذكرها وفصل أحكامها تفصيلاً فحصر مصارفها في ثمانية ً ولم يترك لمجتهد أو حاكم مجالاً للاجتهاد في الزيادة منها أو النقص. ونلمح إلى أن العبادة مبنية على الاحتياط ، ومن حق المزكين أن يحتاطوا لعبادتهم فلن يرضوا وضع أموالهم إلا في موضع الثقة ، ولقد راعي المشروع ذلك وأفرد له مادة خاصة .
أيها الحضور الكرام : حياتنا وحضارتنا في تطبيق شريعة ربنا :
إنه بمقتضى فرماني التنظيمات عام 1854 ، 1856م في عهد السلطان عبد المجيد ، حلت القوانين الفرنسية والإيطالية محلًّ الشريعة الإسلامية ونُحيت الشريعة الإسلامية من مجال التطبيق في دولة الخلافة يومها ؛”الأستانة” .
ومنذ ذلك التاريخ سقطت الخلافة الإسلامية السقوط الحقيقي ، وفقدت أهليتها للخلافة بتفويتها شرط صحةِ الخلافة ، وهو القيام على سياسة المسلمين بمقتضى حكم الشرع في أمور الدين والدنيا . وأما إعلان كمال أتاتورك عن سقوط الخلافة فى آذار عام 1924م ، فما هو إلا إعلان رسمي لحقيقة سابقة .
منذ ذلك التاريخ والمسلمون يعيشون ضياعاً تشريعياً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ، وهم على مدار تاريخهم إلى يومنا هذا يشعرون بمظاهر هذا الضياع ، ويعانون من آثاره في المجال الفكري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والسياسي،والعسكري ،والحضاري .
لقد كان تجميد الشريعة الإسلامية وتنحيتُها أهمَّ ما حرص عليه الاستعمار ليضمن استمراره جاثماً على صدر الأمة الإسلامية كاتماً لأنفاسها حتى الموت ، وليكون حائلاً أكيداً بين المسلمين والأخذ بأسباب الانتصار والحياة ، حتى إذا ما انقطع موردُ الشريعة كانت موارد الغرب الفكرية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية كفيلة بتدويخ شباب المسلمين خاصة ، وقتل طموحاتهم وتطلعاتهم ، وتحريف فطرهم عن سمات الخير وحياة الإسلام وروحه ، وكفيلة أيضاً بتبعية بلاد المسلمين لهم بما فيها من خيرات ، ومَنْ عليها من بشر ، تجرُّها حضارة الغرب حيثما ذهبت وأينما توجهت !!
وإزاء تحقيق ذلك والمحافظة عليه ، نظَّم الاستعمار حربَه ضد المسلمين تنظيماً دقيقاً فطناً ذكياً .
فمنذ أن وَطئَتْ أقدامه أرض المسلمين الطاهرة خطط لهدف واحد ، هو إجهاض الشخصيةِ الإسلامية ، وتذويبُها ، ومحوُ آثارها .
وبدأت هذه الحرب تقتل عناصَر الحركة وأسبابَ التحرك الاعتقادي والفكري ، والاجتماعي ، والاقتصادي ، والسياسي ، وبدأت منذ يومها الأول حرباً شعواء لا هوادة فيها .
لقد خططوا لها لتكون حرباً استنزافية عاتية فكرية وغير فكرية ، طرحت من خلالها الشعارات والمبادئ البديلة الهادمة ، ونجحوا إلى حد كبير في استبدال الشعارات والمبادئ الهدامة بالمبادئ والشعارات الإسلامية الهادفة البانية.
ولقد صاحب هذه الحرب الاستنزافية ، حربُ المؤسسات العلمية الإسلامية التي كانت منارات هدى ، تَشعُّ عناصرُ الخير منها ، في كل مكان وتجدد للأمة روادها على مدار التاريخ ، حاربوا الأزهر العتيد حرباً خفية وعلنية حتى افقدوه سلطته الاجتماعية والسياسية ، ونزعوا الهيبة منه ومن رواده ، فعزلوه تدريجياً عن المجتمع ومراكز التأثير فيه ، وفعلوا مثل ذلك في صروح العلم ومنابره الرائدة ، فعلوا ذلك في جامع الزيتونةِ ، وجامع القرويين ، وجامع دمشق ، ومنابر الهدى في شتى بقاع المسلمين .وأصبح الدين في هذه المعاقل العلمية لا يَعدُوه ، والحياة في المجتمع لا يسمح للدين بدخولها إلا بقدر الصلاة وأحوال الناس الشخصية وغسل ودفن الموتى ، فصَلُوا بذلك الرأس عن الجسد
ثم استداروا إلى مناهج التربية ففصلوها عن التعليم ، وأفرغوهما من محتواهما الإسلامي الرشيد ، وحرفوهما حيث انحرفوا ، ثم تناولوا تاريخنا يشوَّهون صفحاته الناصعة ، ويطمسون معالمه وآثاره العالمية الحميدة ، ويسلطون الأضواء على شواذ التاريخ الإسلامي ، فجسدوا صور الانحراف التي لا يخلوا منها تاريخ من تواريخ الأمم ، فجعلوا منها عناوين بارزة وتاريخاً مقروءاً ، وعرضوا مقابل هذا التاريخ الممسوخ ، تاريخهم بثوب تكلفوا صبغه بالبياض ليواري سوءاتهم العديدة ، وإذا كان الاستعمار قد رحل بجسده عن أرض المسلمين ، فإن روحاً خبيثة قد تركها ، وتلبس بها أقوام هم من جلدتنا ، ويتكلمون بلساننا ، ولكنهم يمرقون من الدين ، بل يعادونه بأشد ما كان سيدهم يعاديه ، بل يوالون أعدائنا ، وإن تصبنا سيئة يفرحون بها ، يحاربون الإسلام باسم الشيوعية أو الاشتراكية أو القومية أو الليبرالية أو العلمانية أو العولمة وكلها وجوه قبيحة ، وأقبحها آخرها . ثم ما من وجه منها إلا وهو من يد يهود أو دسهم أو صنعهم ومكرهم ، ألا إنهم شر خلق الله على خلقه أبد الدهر .
وكان آخر صراعاتهم أن أعلنوها صراع الحضارات ويقصدون حضارتهم وحضارة الإسلام ، وهو إقرار منهم بأن الإسلام دين حضارة وهم يقرءون التاريخ ويدركون حضارة الإسلام على وجه ا لحقيقة ويقرر ذلك المؤرخ والفيلسوف غوستاف لوبون فيقول : ” إن الأمم التي فاقت المسلمين تَمدُناً قليلة إلى الغاية . وإن ما حققه المسلمون في وقت قصير من المبتكرات العظيمة لم تحققه أمة ، وأن المسلمين أقاموا ديناً من أقوى الأديان التي سادت العالم وأنهم أنشأوا دولة تعد من أعظم الدول التي عرفها التاريخ ، وأنهم مدَّنوا أوربا ثقافة وأخلاقاً ” . وهم حين يعلنون شعار صراع الحضارات يظنون إنهم على حضارة ، ألا بئست حضارة تقوم على الظلم والقوة ، وبئست حضارة تجعل من المحتل المجرم الظالم حمامة سلام يدافع عن نفسه ، ومن يدافع عن أرضه وعرضه إرهابياً ، وبئست حضارة جربت أسلحة الدمار الشامل على رؤوس الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال في أفغانستان وفعلت مثله في العراق ، ثم ألا بئست قذارة تقنن الرذائل والفواحش وزواج الرجل بالرجل .
ونعود لنقول إن قضية تطبيق الشريعة قضية حياتية بالنسبة للمسلمين – ينبغي أن يعلم هذا – لأن تطبيق الشريعة جزء من إيمان المسلمين بربهم وجزءٌُُ من سمتهم وأسمهم ، بل ركن في هذا الدين عظيم ، فمن شاء أن ينازعهم تطبيق شريعة ربهم نازعهم صفتهم ووصفهم واسمهم . قال تعالى: ]هو سماكم المسلمين[ وقال تعالى : ]أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون[ [ آل عمران : 83 ].
أيها الحضور الكرام السعداء : الإسلام الدين الوحيد المؤهل للسيادة في الأرض .
أينما ننظر في أنحاء الأرض نجد المسلمين – على كثرتهم – ممزقة أحوالهُم متفرقةَ كلمتُهم ، كئيبة أوضاعهم ، الجهل والفقر صفتهم – وبيدهم مفاتيحُ قيادة الحضارة ، وأرضهم تحمل الخير على ظهرها وفي بطنها ولكن شريعة الغاب تحكُمُهم باسم القانون أو باسم الديمقراطية ، أو الاشتراكية ، أو غير ذلك من الباطل ، وعندهم كتاب لا يأتيه الباطل ، وسنة موضحة لشريعة محكمة !! .
ومن ينظر إلى هذه الأمة وأحوالها يظن أنها مدبرة لا محالة ، وهالكة لا ريب . وهذه حقيقة شاخصة ظاهرة ، لكنها – بفضل الله – معارضة بحقيقة أخرى ، هي أن هذا الدين يحمل في طياته الحياة للأحياء ، وإعادة الحياة بعد الموت ، فيه من القدرة والقوة ما يملأ القلوب نقاوة وإن تكدرت ، والعقول نضارة وإن ذبُلت وهَزِلتْ ، والأبدان عافية وإن اعتلَّت وسقِمتَ .
هذه الدعوة الإسلامية تتنامى من دون المسلمين ، وكأنهم لا يعنونها ، تتنامى بين أظهرهم ، كما تتنامى في بقاع الأرض كلَّها : الحضارية منها قبل المتخلفة ، ويدخل هذا الدين منهم أكابر العلماء والمثقفين والعامة ، وغدا الإسلام يقتحم معاقلهم بهداه من كل صوب ، بل غدت معاقل حرب الإسلام ، معاقل دعوةِ إليه .
وإن الناظر في هذه المعادلة يدرك يقيناً أن لا تناسب بين الجَهدِ المبذول من أجل هذه الدعوة ، وبين أثرها الواقعي المنظور فنحن نجد الأثر دون رؤيةِ جَهَّد دعوي مباشر يتناسب وهذا الانتشار والانتصار .
وهذا كله يؤكد حقيقة ينبغي أن تكون راسخة شاخصة : أن هذا الدين سيبلغه الله مبلغه ، رضي من رضي ، وسخط من سخط . وأن الله محاسب المسلمين على حالهم وأوضاعهم المحادة لله ورسوله e لأن واقعهم المر السيئ من كسب أيديهم وسيئ عملهم ، ومن ضعف صلتهم بحبل الله المتين ، ونوره المبين إلا من هدى ورحم وأدى ما وجب .
ولقد بدا المسلمون اليوم – جماعات وأفراداً – مرحلة التفكير الجاد الهادي لضرورة إعادة هذه الفريضة الغائبة ، بعد أن جربوا سائر القوانين والأفكار والمبادئ ، علَّهم يجدون فيها بُغيتهم من سعادة وهناء ، بعدما ضل سعيهم ، وخاب رجاؤهم ، وأيقنوا بعد طول أمد سراب أملهم .
وإن المحاولات الجادة لتطبيق الشريعة الإسلامية لابد أن تؤتي ثمارها ذات يوم : واقعاً إسلامياً يحتذى ، في عالم تسود فيه القوة والنظم والقوانين ، بما فيها من ظلم أو شائبة ظلم ، أو خطأ ، أو انحراف .
والإسلام هو الوحيد المؤهل للسيادة في ميدان النظم والقوانين ، وقد تكفل بذلك كتابُ الله المحفوظ ، وسنة نبيه e ، وعلى المسلمين أن يأخذوا بهما بقوة ، ويأخذوا بأسباب القوة في الوقت ذاته ، فعدل الله تعالى ألاَّ يسود الضعيفَ وسط الأقوياء ، وإن حمل مشاعل الخير كلها ، “وإن الله ليزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن ” .
إن المسلمين اليوم في حاجة ماسةِ إلى هذه الشريعة ، حاجتهم إلى الحياة ، فإن لم يُعجًّلوا بالأخذ بها اليوم فسيطول موتهم ، وتدوسهم الأقدام ، فأولى لهم طريق النهوض والعزةِ والحياة ، طريقَ كتابِ الله وسنةِ رسوله صلوات الله عليه وسلامه عليه ، وعند الصباح يحَمدُ القوم السُّرى .
أيها الحفل الكريم .. أيها الحضور الأعزاء : واقع المسلمين يحتاج إلى التغيير ضرورة .
إن واقع المسلمين اليوم واقع لا يٌرضي إلا خصماً حقوداًً أو عدواً كائداً . واقع تبرُزُ فيه الأدواء في شتى المجالات ، اجتماعيةٍ ، واقتصاديةٍ ، وسياسية ، وكل من نظر من المفكرين إلى واحد من هذه المجالات قرر أن واقع المسلمين المشين مدخولً من قِبلِها وأن البلاء من جانبه . أنه لابد لرفع هذا الشين وإزالة تلك الظواهر من تصحيح مسارنا الاجتماعي ، والاقتصادي ، والسياسي بل كلها معاً .
لقد أمضى قادتنا وكثيرُ من مفكرينا منذ سقوط الخلافة الإسلامية جهوداً كبيرة لإعادة الحياة إلى مجتمعنا عن طريق تلك الشعارات البراقة والمنطلقات ورأوا ماذا جرب المستعمر في أرضنا ، بل منهم من جرب بنفسه ، فجربوا في واقعنا النظريات والمذاهب المختلفة والمتناقضة ، وما تركوا نظرية أو مذهباً أو شعاراً إلا وأتاحوا له فرصة التطبيق ، فما شُفِيّ المجتمع من مرضه ولا استعاد قواه بل انحسر مدُُّه القديم على جزرٍ في كل مجال ، وأصبح تابعاً للشرق أو الغرب ، ومُسخّ ما تبقى من معالمه ، وشُوهت صورتُه ، فلم يعد مجتمعاً مسلماً في جملة نظمه وتقاليده ، ولا حتى غربياً في كل نُظُمه وتقاليده ، وفقد صِبّغته الإسلامية السامية في حين أن الغرب لم يسمح له من صِبْغته ٍ إلا بالقشور وسيء الأخلاق .
ولقد جَرَّت هذه النظم والمذاهب على المسلمين من الويلات ، والمحن ، والضعف ، والوهن ما جعلنا نفكر جدياً في المخرج من هذه الدوائر المحكمةِ السياج والشباكِ ، وتلك التبعية المقيتة وهذا الواقع المريض . وتبين لعموم علماء وشعوب المسلمين الداءُ ، ووضعوا أيديهم على مكمنه .
أيها العلماء وأيها الحضور الكرام :
لقد ثبت واقعاً أن النص في دساتير وقوانين البلاد الإسلامية على أن “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس أو مصدر رئيسي للتشريع ” لم تحقق أثرها المرتجى والمأمول من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ولم تقو على التغيير من واقع قانوني وضعي إلى واقع شرعي يحقق ما صدقات ” المصدر الرئيس أو مصدر التشريع “
ولكن ثبت تاريخياً وواقعياً اليوم أن التغيير الحقيقي لا يأتي من خلال النصوص وحدها ولكنه سريع حين يأتي من طريق تغيير النفوس ، تغيير المسلمين من داخلهم قناعة وإزكاء لفطرة الإسلام واستثارة روح الإيمان والعقيدة هذا هو السبيل الأمثل لتغيير الواقع في اتجاه تطبيق أحكام الشرع الحنيف وهكذا كان تغيير النبي e واقع الجاهلية والجهل إلى واقع الإسلام والحضارة حتى ظل ثلاثة عشر عاماً يغير في النفوس من أعماقها إلى أن طهرت من أدران الجهل والجاهلية . وغدت نفوساً تواقة لرضى الله فغيرت هي واقعها شيئاً فشيئاً حتى اكتمل الدين فعم خيره وحضارته أرجاء الدنيا .
وذاك التغيير النبوي مصداق قوله تعالى : ]إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم[ [الرعد:11] . قال الإمام القرطبي : أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير ، إما منهم أو من الناظر لهم ، أو ممن هو منهم بسبب ، كما غير الله المنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم إلى غير هذا من أمثلة الشريعة ، وقال العلامة حسن صديق خان : “حتى يغيروا ما بأنفسهم ” أي من طاعة الله والحالة الجميلة بالحالة القبيحة ، والمعنى أنه لا يسلب قوماً نعمة أنعم بها عليهم حتى يغيروا الذي بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة ، أو يغيروا الفطرة التي فطرهم الله عليها .
ونرى أن الآية ظاهرة أيضاً في أن الله تعالى يغير أحوال الناس من سعادة إلى شقاء ، ومن شقاء إلى سعادة إذا هم اختاروا أحد السبيلين ، فكلاهما من كسب الناس ثم إن الآية تشعر بأن تغيير الواقع يبدأ من تغيير ما في النفوس من اعتقاد وفكر وتصور .
وهكذا نلمس تغيير الواقع فى البنوك والشركات الى واقع إسلامي حين أراد المسلمون عبادة ربهم بأموالهم بعيدا عن الربا فغيروا حينئذ واقعهم فتم التغيير بإرادتهم لا بقرارات رسمية وهكذا نأمل ونرتجي من قانون الزكاة وغيره من القوانين أن يسلك مسلك تطبيق الشريعة شعبيا قبل أن يكون رسميا بل الرسمى إنما يستجيب لإرادة الشعوب الإسلامية وهذا إنما يحمل العلماء مسؤولية كبيرة .
وأخيراً فإننا ندعو العلي القدير أن يسهل للعلماء أمرهم وييسر عظيم ما هم بصدده ويوفقكم لإنجاز هذا العمل الكبير ليكون رصيداً في موازين حسناتكم وشاهداً لكم على صدق سعيكم في تطبيق أحكام الشريعة وتقديم ما استطعتم ليكون تحت يد أهل الحل والعقد لإحياء ركن عظيم ركن وفريضة الزكاة . وفي هذا استجابة لما يحيى مجتمع المسلمين حياة عز وشرف وحضارة وريادة ]يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون . واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب[[الأنفال:24-25] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،