اختلف الفقهاء في النكاح بنية الطلاق إلى ثلاثة اتجاهات .
الأول : صحة العقد وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في قول جزم به ابن قدامة في المغني ولخص حجج القائلين به فقال : إذا تزوج امرأة بنية الطلاق بعد شهر أو أكثر أو أقل فالنكاح صحيح سواء علمت المرأة أو وليها بهذه النية أم لا . وذلك لخلو هذا العقد من شرط يفسده ، ولا يفسد بالنية ، لأنه قد ينوي ما لا يفعل ويفعل ما لا ينوي ، ولأن التوقيت إنما يكون باللفظ . أي ليس مكتوبا في العقد .
الثاني : كراهة العقد وهو قول الشافعية والإمام مالك وأحمد وابن تيمية .
الثالث : بطلان العقد وهو مذهب الحنابلة على الصحيح ، وقول الإمام الأوزاعي وحكي عن الإمام أحمد أنه إن عقد بقلبه تحليلها للأول أو الطلاق في وقت بعينه لم يصح .
ولعل الراجح من هذه الأقوال : المنع من إبرام هذا العقد فهو عقد باطل للأسباب الآتية .
أولا : مخالفة هذا العقد مقاصد الشرع الحنيف التي تغياها من هذا العقد الذي اعتبره ميثاقا غليظا ، فجعل مقصده تكون أسرة وإقامة بيت مسلم يحقق فيه الطمأنينة والسكينة وينعم فيه الأبناء بتربية حميدة بين أب وأم متفاهمين ، ولذا افترض الشرع ديمومة العقد فهو الذي يتواأم ويتناسب مع شرف هذا العقد . ومن أجل هذه المقاصد حرم الإسلام نكاح المحلل ونكاح المتعة سدا لذريعة الفساد والوقوع في شبهة الزني ولأنهما عقدان ينافيان مقاصد الشرع من تشريع عقد الزواج ، وهذا العقد ليس ببعيد عنهما .
ثانيا : أنه لا فرق بينه وبين زواج أو عقد المتعة المتفق على حرمته عند أهل السنة ، وذلك لاشتراكهما في المقصد ، والأمور بمقاصدها ، فالنية فيهما الاستمتاع إلى وقت غاية ما هنالك أن عقد المتعة ذكرت فيه المدة في العقد والثاني نية الطلاق فيه مضمرة .
ثالثا : الغش والتدليس ، فإن إضمار نية الطلاق يقتضي المنع كعقد المتعة من باب أولى لأنه تضمن إضمار أمر لو علمه الطرف الثاني وهي الزوجة أو أولياؤها لامتنعوا عن إبرام العقد ولأسمعوا هذا الرجل كلاما جارحا . ويظهر فحش الغش فيه في اختلاف النيتين ، فالمرأة حسنة النية تأمل من هذا العقد بداية حياة جديدة ترسم عليها مستقبل حياتها وآمالها في بيت سعيد تخلص فيه لزوجها ، وهو يضمر خلاف ماأظهر يضمر لها الشر والضرر وتحطيم هذه الآمال بعد فترة وجيزة ، تاركا لها غير مبال بشيء بعد أن نال منها بغيته ومتعته ، فإضمار نية الطلاق غش لا ريب ، بل تدليس مشين إن دل فإنما يدل على نفس خبيثة ، وإذا كانت المرأة على علم بأنه سيطلقها بعد فترة وقبلت فهذا أسوأ إذ يقرب العقد من عقد المتعة إذ لافرق حينئذ بين العقدين سوى التصريح بالمدة والنتيجة والمآل واحد . بل إنه يثير شبهة تلحق المرأة فإن المرأة السوية العفيفة تأبى قبول ذلك . ولذلك قال الحنابلة ” لوى نوى الزوج الطلاق بقلبه فهو كما لم شرطه ” ولذلك كان من تعاريف المتعة عند الحنابلة قولهم : نكاح المتعة أن يتزوجها إلى مدة أو يشرط طلاقها في وقت أو ينويه بقلبه ” . ولا يخفى كم جر هذا العقد على سمعة المسلين في البلاد الغربية خاصة من تزوج الشباب من المسلمات اللاتي دخلن الإسلام حديثا ، وبدأن حيات الطهر والعفة ، ثم يصدمن من مفارقة هذا الزوج المسلم على غير خلاف أو تقصير منهن وقد يثقل الأمر ويشتد حين يتركها بعد انتهاء دراسته ويتركها وأبناءها …
رابعا : وجود الضرر البليغ فإن المرأة تتضرر من وقوع طلاقها بعد فترة وهي في الغالب فترة قصيرة ، فتتضرر في سمعتها فإن الناس قد يظنون فيها ظن السوء ، وقد يتعذر عليها الزواج ثانية بل قد ينسد بابه كلية وهي بعد في ريعان شبابها . وقد يغؤيها الشيطان بلانحراف والعياذ بالله .
وإذا كان الفقهاء وخاصة المالكية قد توسعوا في الطلاق للضرر واعتبروا الإهانه اللفظية أو السب ضررا يجيز لها طلب الطلاق فهذا الضرر الواقع أشد منه كثيرا وأبلغ ، وشأن ديننا رفع الضرر ومعاقبة متسببه . والله أعلم .