من اعظم الامانات واحقها بالحفظ والعناية والاهتمام والرعاية اولادنا، ومن الواجب ان نربيهم تربية اسلامية صحيحة والا نفاضل بينهم ولكن نجد بعض الآباء يفضل بعض اولاده على الاخرين سواء في المحبة او العطية، فما رأي الدين في هذا السلوك؟ وهل محبة الأب لابن من ابنائه اكثر من الآخر تؤدي الى الوقوع في الاثم؟
في البداية يوضح رئيس رابطة علماء الشريعة لدول مجلس التعاون الخليجي د.عجيل النشمي حكم المفاضلة بين الابناء فيقول: لا خلاف بين العلماء في أن التسوية بين الابناء مستحبة في العطية، وانه تكره المفاضلة.
واختلفوا في وجوب التسوية فذهب الحنفية والمالكية والشافعية الى ان التسوية مستحبة، لان ابا بكر الصديق رضي الله عنه وهب عائشة ابنته رضي الله عنها دون ابنائه وفضل عمر رضي الله عنه ابنه عاصما بهبة دون اولاده، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال للنعمان بن بشير رضي الله عنهما في احدى الروايات: «فأشهد على هذا غيري»، فهذه العبارة تدل على الجواز لا الوجوب.
وذهب الحنابلة الى وجوب التسوية بين الاولاد في الهبة، فيأثم الأب ان فاضل بينهم واستندوا الى حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: وهبني ابي هبة، فقالت امي عمرة بن رواحة رضي الله عنها: لا ارضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: ان ام هذا اعجبها ان اشهد على الذي وهبت لابنها: فقال صلى الله عليه وسلم: يا بشير الك ولد سواه؟ قال: نعم، قال: كلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا ، قال: فأرجعه، وفي رواية: «اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم» وفي رواية فأشهد على هذا غيري، وهذه الرواية الاخيرة هي التي تمسك بها الجمهور كما سبق، ورأيهم ارجح.
ولكن الاب ان فاضل بين اولاده لسبب فتجوز حينئذ المفاضلة، قال ابن قدامة الحنبلي: ان خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه لحاجة او زمانة (مرض مزمن)، او عمى او كثرة عائلة، او اشتغاله بالعلم، او نحوه من الفضائل، او صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، او بدعته، او لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله او ينفقه فيها، فقد روي عن احمد بن حنبل ما يدل على جواز ذلك، ورأي الحنابلة هنا وجيه.
واما تقسيم الأب امواله كلها او بعضها حسب تقسيم الميراث في حياته فيرجع الى مفهوم التسوية في العطية فذهب جمهور الفقهاء الى ان معنى التسوية هو بين الذكر والانثى.
وزاد: وذهب الحنابلة وبعض الشافعية، وبرأيهم نأخذ، الى ان العطية تكون على حسب الميراث، قال ابن قدامة: التسوية المستحبة حسب قسمة الله تعالى الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الانثيين لأن الله تعالى قسم بينهم، فجعل للذكر مثل حظ الانثيين، واولى ما اقتدي قسمة الله، ولان العطية في الحياة احد حالي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الانثيين، كحالة الموت، يعني الميراث.
ولقول عطاء رضي الله عنه عن فعل الصحابة: ما كانوا يقسمون الا على كتاب الله تعالى.
ولان الذكر احوج من الانثى من قبل انهما اذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الاولاد على الذكر، والانثى لها ذلك كله، منه، فكان اولى بالتفضيل لزيادة حاجته، وقد قسم الله الميراث ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى، فتعلق به، اي يجعل ذلك علة، ويتعدى حكمه الى العطية في الحياة، ويحقق ذلك ان العطية استعجال لما يكون بعد الموت.
واما عن حديث بشير فقال د.النشمي: فهو قضية في عين – أي حادثة فردية – وحكاية حال لا عموم لها، ولا نعلم حال اولاد بشير، وهل كان فيهم انثى، ام لا؟ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد علم انه ليس له إلا ولد ذكر.
هدم للأسرة
ويضيف الداعية الإسلامية سلمان مندني، تفضيل الوالد بعض ابنائه على بعض عمل يحرمه الاسلام تحريما قاطعا، كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فارجعه» وفي رواية «أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم». فرجع ابي ورد تلك الصدقة، وفي رواية «أكلهم وهبت له مثل هذا»؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور» وفي رواية «أشهد على هذا غيري» ثم قال: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال: بلى، قال: فلا آذن» وأكد مندني ضرورة جعل أولادنا موضع عطفنا وبرنا وأن ننشئهم على حب الوطن والفضيلة، وأن نغرس في نفوسهم الاخلاق الكريمة والخصال الحميدة وألا نفاضل بينهم في أي مظهر من مظاهر البر والإكرام كي لا نحملهم على عقوقنا وحتى لا نوجد للشيطان مدخلا بينهم للتلاعب بعقولهم والقاء بذور العداوة والبغضاء في صدورهم، قال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله والدا أعان ولده على بره» وفي رواية للشعبي «اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر».
وحذر الداعية مندني من التفرقة بينهم لأن ذلك يغرس في قلوبهم التباغض والتحاسد والكراهية والفرقة فيكون هذا الفضل من الوالد معول هدم للأسرة وشتات أفرادها وان كانوا في بيت واحد والشرع يحرص على وحدة الأسرة وثبات كيانها.
التقوى والعدل
ويؤكد د.بسام الشطي أن التقوى بين الأبناء تؤدي بنا إلى أن يكون هناك عدل بينهم في كل شيء حتى يخرج لنا جيل سوي يحمل اعباء الأمة بقوة واقتدار فقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر». كما ان الرفق في معاملة الابناء ان يعلم الوالد ولده ما ينبغي عليه فعله وما يجب عليه تركه باللين والموعظة الحسنة فعن انس رضي الله عنه قال: «ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم، وعنه ايضا قال: كنت مع الصبيان فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم يا صبيان، وهكذا تعلم الصحابة رضوان الله عليهم منه فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل عليه أحد عماله فيجده مستلقيا على ظهره وصبيانه يلعبون حوله فأنكر الداخل عليه ذلك فقال عمر رضي الله عنه: كيف أنت مع أهلك قال: إذا دخلت سكن الناطق فقال له عمر رضي الله عنه: اعتزل عملنا فإنك لا ترفق بأهلك وولدك فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الرفق لا يكون في شيء الا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» ويقول «ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ومالا يعطي على سواه»، ولذا كانت التقوى واجبة مع الأبناء في تربيتهم وتعلمهم إياها في جميع حياتهم حتى يخرج لنا جيل ينفع ولا يضر سليم لا يحقد، طاهر لا يضغن.
قصة يوسف عليه السلام
ويذكر الداعية يوسف السويلم الآباء بقصة يوسف عليه السلام حيث كان ابوه يحبه حبا جما وله مكانة خاصة عنده خلاف اخوته (الأحد عشر كوكبا) الا ان ذلك التفاضل لغاية ما في (نفس يعقوب) وبسبب ذلك أدخل الحقد والعدوان في نفرين ابنائه على أخيهم يوسف عليه السلام حتى قاموا بتلك الفعلة ورموه في غيابة الجب، وفي عصرنا هذا نجد الكثير من الاباء لم يتعظوا من تلك الاحداث التي وقعت بين يوسف عليه السلام واخوته بشأن التفاضل. ونبه د.السويلم الى ألا يكون هناك انحياز لبعض الابناء سواء كانوا ذكورا أم إناثا ما لم يكن هناك ضرر ولا ضرار من جوانب كثيرة مثل خطأ الصغير وخطأ الكبير لا يقاسان بمقياس واحد كذلك مطلب الصغير ومطلب الكبير ايضا لا يقاسان بمقاس واحد ومتابعة الصغير تختلف عن متابعة شؤون الكبير وهناك الكثير. والكثير وليحذر الآباء من تلك التفرقة حتى لا يكون الحقد والعدوان بين الابناء. واشار السويلم الى ان العلماء اجمعوا على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخرين. واختلفوا في حكم التفضيل فيما بينهم على أقوال، القول الأول تحريم التفضيل في العطية بغير إذن الباقين والقول الثاني تحريم التفضيل إلا إذا كان بسبب شرعي وهناك من كرهه ذلك كأبي حنيفة والمالكية وقول بجواز التفضيل إن لم يقصد به المضارة وهو قول الحنفية.