بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة علمية
لمذهب الإباضية
الإباضية : فرقة من فرق المسلمين المعتدلة وتعتبر أقدم الفرق الإسلامية، تأسست على يد جابر بن زيد – رضى الله عنه – المتوفى سنة 93هـ ، وهو الفقيه المتبحر ، وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قوله : اسألوا جابر بن زيد فلو سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه ، وتتلمذ عليه عبدالله بن إباض وبه سمي المذهب ، وهو الشيخ عبدالله بن إباض بن تيم التميمي وقد عاصر معاوية ، توفى في أواخر أيام عبدالملك بن مروان ، وقد قامت للإباضية دولتان ؛ دولة في المشرق في عُمان ودولة في المغرب ، وامتد نفوذهم على اليمن وحضرموت واستولوا على الحجاز سنة 128هـ في زمن الخلافة الأموية ، كما استولوا على المدينة سنة 130هـ ، وقد دامت سيطرتهم على الحجاز والمدينة سبعة أشهر ، وقد انهزموا في معركة مكة سنة 130هـ على يد عبدالله بن عطية السعدي 0
والإباضية من أقرب الفرق إلى أهل السنة ، وإذا كان أهل السنة من كان على ماكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهم يرون أنهم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم . وما من رأي فقهي عندهم إلا وله نظير عند فقهاء الأئمة الأربعة أو غيرهم من مجتهدي الأمة ، سواء في العبادات أو المعاملات ، وهم يتفقون مع أهل السنة في الأصول المجمع عليها في العقيدة فهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقضاء والقدر خيره وشره ، وان الإنسان فاعل أفعاله الاختيارية مكتسب لها ، ويؤمنون بالجنة والنار وبعذاب القبر ويؤمنون بالشفاعة وبحوض النبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤمنون بأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وهم يترضون على الخلفاء أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما ، كما يترضون على عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما ، وما نسب إلى الإباضية من شتم الشيخين عثمان وعلي فهو غير صحيح
ثم إنهم يلتقون مع أهل السنة في وحدة المصادر بالنسبة للسنة من حيث الرواة ، فمن أسانيدهم البخاري ومسلم وبقية الصحاح إلى جانب الجامع الصحيح أو مسند الربيع بن حبيب وهو أصح كتاب عندهم في السنة النبوية .
وقد ورد في كثير من الكتب نسبة الإباضية إلى الخوارج ، وهذه النسبة لم تصح تاريخياً ولا علمياً، وقد تتبعت ذلك في العديد من المصادر التاريخية فلم تثبت هذه النسبة عند المحققين من المؤرخين .
وأما خلافهم مع أهل السنة بالنسبة في قضايا العقيدة ، فيمكن بينها في أمور: ففيما يتعلق بصفات الله هم فريقان : فريق يرى نفي الصفات خوفاً من التشبيه ، وفريق يرجعون الصفات إلى الذات فقالوا : إن الله تعالى عالم بذاته وقادر بذاته وسميع بذاته، ويؤولون استواء الله على العرش باستواء أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه .
كما أنهم ينكرون وقوع رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين .
ويقول فريق منهم : بأن القرآن مخلوق ، وكل ذلك الخلاف محل اجتهاد في فهم النصوص ودلالاتها.
وبخصوص خلق القرآن باعتبارها القضية الأهم يقول علماء الإباضية ومنهم الفقيه العالم سماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي السلطنة : إنّ هذه القضية لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه و سلم ولا في عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم حتى نهاية الدولة الأموية، كما أن القرآن الكريم لم يتحدث عنها وكذلك السنة النبوية وهي ليست من الأمور الاعتقادية التي لا يتم الإيمان إلا بها ولا ينبني عليها أي عمل والخوض فيها وخصوصا في هذا العصر من الأمور التي يجب أن ينهى عنها، ويكفينا ما أجمع عليه المسلمون بأن القرآن كلام الله تعالى ونحن مطالبون بحفظه وفهمه وتدبره والعمل به.
– إن هذه الفتنة حدثت في العراق في بداية القرن الثالث الهجري وكانت في بدايتها معركة جدلية بين بعض علماء المعتزلة والحاكم العباسي من جهة وبين الإمام أحمد بن حنبل وبعض من أتباعه من جهة أخرى. ولم يشترك فيها الإباضية لا من قريب ولا من بعيد, ففي الوقت الذي أثيرت فيها هذه القضية كان الإباضية في معزل عن هذا الجدل الفكري الذي شغل المسلمين سنوات عديدة.
– دام الجدل في هذه القضية قرابة عشرين عاما(218-234) وتوالى على الحكم العباسي في هذه الفترة المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل في بداية عهده. وقد أعلن المأمون وهو الخليفة العباسي بوجوب الاعتقاد بخلق القرآن وأجبر الناس والعلماء على التصريح بذلك، وامتحن الناس والعلماء. وقصة الإمام أحمد بن حنبل في هذا معروفة ومشهورة.
– في الوقت الذي كان الجدل في هذه القضية على أشده كان للإباضية إمامة بالمغرب، عرفت في كتب التاريخ بعد بالدولة الرستمية، وقد شهد لها التاريخ بالعدل والاستقامة وإقامة الدين والحرية الفكرية وتعدد المذاهب والآراء والدعوة إلى الله كما هو مفصل في كتب للتاريخ[2]، كما كانت في تلك الفترة إمامة في عُمان توالى عليها عدة أئمة انتُخِبوا بالشورى وحكموا بالعدل.
– إن اعتقاد المأمون بخلق القرآن لم يأت عن جهل أو إيحاء من ابن أبي دؤاد[3] كما تقول بعض كتب التاريخ – لإبعاد الشبهة عن المأمون – وإنما عن يقين واقتناع لأن كل كتب التاريخ تذكر أن المأمون كان قد حفظ القرآن ودرس الحديث واللغة والأدب والشعر، وفي الوقت الذي كان فيها أهل الحديث يحدثون كان يجتمع عليه التلاميذ، وقد صنع له منبرا كما صنع لهم وحَدّث كما حدّثوا، فهذا يدل أنه صاحب علم وأن اجتهاده لم يأت من فراغ وليس من الخطأ أن يقتنع بأن القرآن مخلوق أو غيرها من القضايا التي اختلف فيها العلماء، وإنما الخطأ الذي وقع فيه والذي يجب أن ينبه عليه من قبل العلماء هو إجباره الناس على الاعتقاد بما يعتقده هو. وكان واجبُ العلماء في ذلك الحين أن يركزوا في نقاشهم وبحثهم وردودهم علي قضية إجبار الناس على الاعتقاد بخلق القرآن وليس على قضية: هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟
– عندما وصلت أخبار هذه الفتنة إلى الإباضية في عُمان والمغرب بدؤوا في نقاشها وبما أنهم لم يشتركوا في تلك الفتن ولم يقعوا تحت العواطف فكان بحثهم في القضية موضوعيا لأنهم انطلقوا من قاعدة الحجة والدليل وليس من باب التكفير والإكراه والضغائن والأحقاد. وهم أيضا اختلفوا فيها ولهم فيها رأيان معتمدان في المذهب، والاختلاف ناتج عن معنى كلمة القرآن. هل هو علم الله وكلامه الذاتي أم هو المصحف. فمنهم من قال بأن القرآن مخلوق، ومنهم من قال بأنه غير مخلوق ولكن لم يكفر أحد منهم الآخر كما حصل في العراق. فعلماء الإباضية في المغرب اتفقوا على أن القرآن مخلوق, أما في عُمان فقد اختلف العلماء في خلق القرآن ذلك الوقت في بداية الأمر وخصوصا بين محمد بن محبوب بن الرحيل وبين محمد بن هاشم واستمر النقاش فيها فترة من الزمن وعندما خافوا من الفتنة والانشقاق اجتمعوا في مدينة دما (السيب حاليا) واتفقوا على الاكتفاء بما كان عليه السلف وهو الكف عن التصريح بخلق القرآن أو عدمه[4].
ويقول الشيخ الخليلي: ليس من مصلحة المسلمين اليوم إثارة مثل هذه القضايا من جديد والأفضل لهم الكف عنها وعن غيرها من القضايا التي لا طائل من ورائها، إذ لم يثبت أن قال أحد من الصحابة أو التابعين أن القرآن مخلوق كما لم يقل أحد منهم أنه قديم، بل إن الآثار المتواترة عنهم أن القرآن كلام الله، وفي هذا كفاية لجمع الأمة من جديد . والمشكلة في عمومها فلسفية كلامية أُقحمت فيها العامة إقحاما وأجبر فيها العلماء على قول واحد ولولا ذلك لما كانت مشكلة أصلا.
وخلاصة ذلك إنا نقول ما قاله الإمام ابن حزم عن الإباضية : ” إن أصحاب عبدالله بن يزيد الإباضي أقرب إلى أهل السنة من بقية الفرق الأخرى ” ، وبناء على ما سبق فالصلاة بهم أو وراءهم جائزة وصحيحة قطعا ، ويشملهم قول صاحب الطحاوية في صنف البارين ” ونرى الصلاة وراء خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم ، ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا ناراً ، ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك ونذر سرائرهم إلى الله تعالى ” ومن قال لا تجوز الصلاة خلف الإباضية لزمه تكفيرهم ، وهذا أمر عظيم أن يكفر من هو من أهل القبلة ، ولا يكون ذلك إلا عن جهل بأصول وفروع الإباضية ، أوأن من يفتي بذلك لأفتى عن غير علم وتحر أو أنه يفتي على قدر السؤال الذي يوجه بصيغة لا تحتمل إلا أن يكون الجواب بعدم صحة الصلاة وراءهم ، فلم يستفصل المفتي ولم يترو فذلك كله مردود ، وكما قال صاحب الطحاوية ” ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين وله بكل ما قال وأخبر مصدقين.
كتبه : الشيخ عجيل جاسم النشمي
——————————————————————————–
[2]
عن الدولة الرستمية أنظر إبراهيم بحاز : الدولة الرستمية – دراسة في الأوضاع الاقتصادية والحياة الفكرية. الجزائر 1993 [3] أبي دؤاد: قاضي المأمون [4] الحق الدامغ – أحمد الخليلي