أكد رئيس رابطة علماء الشريعة لدول مجلس التعاون الخليجي والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.عجيل النشمي ان الأوضاع المأساوية والكبت والظلم والجبروت الذي يمارس في بعض البلدان العربية والإسلامية أوجدت ضرورة التغيير على كل المستويات، الأفراد والجماعات والأمة، لأن الإسلام هو دين التحرر ودين السمو والتقدم والعزة والكرام، وقال د.النشمي في حواره مع «الأنباء» حول الأحداث الأخيرة التي جرت على الساحة العربية ودور المظاهرات في سقوط النظم ان النظم العسكرية لايزيل ظلمها وتسلطها الا أمران: انقلاب عسكري مثله فيستبدل الظلم والجبروت بمثله أو أسوأ منه، وإما مظاهرات سلمية شعبية تتحول الى ثورة عارمة وان هذا الأسلوب الأنجع في تغيير العسكر واستبدال العدل والمساواة بالظلم والجبروت. وأكد ان المظاهرات السلمية والشعبية في مصر والتي تحولت الى ثورة شعبية غيرت الوضع الى الأفضل والمأمول أعظم لمستقبل مشرق لمصر وان القيادة المصرية القادمة لن تكون قيادة تطبيعية مع اسرائيل ولا ذليلة لأميركا. ولفت الى ان اختلاف الفقهاء والعلماء ظاهرة طيبة حين اطلع على العديد من الردود من المعارضين والمؤيدين لموضوع طاعة ولي الأمر ولموضوع المظاهرات وانه استبشر خيرا لأن الموضوع حقق غرضه في ايصال معلومة أو رسالة الى القراء ولكن الذي كدر الصفو ان بعض الكاتبين اتبع طريقة التسفيه للرأي المخالف وتخلل عباراته ما لا يليق من المنابزة والهمز واللمز والتجريح منطلقا من ان رأيه صواب قطعا لا يحتمل الا الصحة ورأي المخالف خطأ لا يحتمل الصواب فأهان العلماء بأسمائهم وتدنى في الأسلوب مؤكدا ان أكبر الحاصدين للحسنات الشيخ القرضاوي. وأكد ان المشاركين في مظاهرات تونس ومصر مأجورون ما لم يرتكبوا تخريبا أو إفسادا، فالوسيلة مشروعة والهدف الذي تحقق شيء منه مشروع لا لمصر فحسب بل للأمة العربية والإسلامية، وإلى نص الحوار:
ما تشهده منطقتنا العربية والإسلامية من مظاهرات وثورات على حكامها أحدث مفاجأة غير متوقعة على ساحتنا العربية والإسلامية، نريد من فضيلتكم تحليلا شرعيا لهذا الواقع.
ما تشهده المنطقة العربية والإسلامية هو مرحلة تغييرية تاريخية لم تكن بنت اليوم، ولكنها مرحلة بدأت منذ سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1924، التي أسقطها اليهود والصليبيون باعتبارها المرحلة الأخيرة للحروب الصليبية. ثم تلا ذلك مرحلة الاستعمار للبلاد العربية والإسلامية ثم جاءت مرحلة حكم العسكر للبلاد باسم حركات التحرر من الاستعمار وحكم العسكر العواصم الإسلامية بخاصة وهي مصر وسورية والعراق.
وعاشت الشعوب الإسلامية والعربية في قبضة العسكر قرابة 90 عاما ينقلب فيها العسكر على العسكر والخاسر الشعوب وتأخر البلاد، ولم تكن الوعود بالتقدم والحرية والمساواة والعدالة إلا شعارات لا حقيقة لها، وثبت للشعوب كذب قادتهم، وخلال هذه الفترة الطويلة لم يكن للإسلام ظهور واختفاء، وكان الكبت والقمع هو أسلوب مواجهة التحركات الاسلامية، ولكن شاء الله ان يرتفع الصوت الإسلامي في هذه السنوات العشرين الأخيرة. واستطاعت الصحوة الإسلامية ان توجد لها مساحة مؤثرة في الساحة الإسلامية والعربية، وغدا وجوده مشهودا في الجوانب أو المظاهر الأخلاقية والسلوكية، ومظاهر الالتزام، والظهور الإعلامي والتربوي، ثم شغل مساحة اقتصادية في تداول المال وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
وهذا الظهور في هذه الميادين له دخل مهم وتأثير واضح في إحداث تغيير في النفوس وفي الواقع، ولكن الشعوب العربية والإسلامية مازالت تتألم من واقعها وتأمل في تغير إيجابي في الجوانب السياسية ونظم الحكم، إذ مازالت القوة في عواصم العالم الإسلامي بيد العسكر. وحيثما وجد العسكر وجد معهم الظلم والجبروت وهم لا يستثيرون الملتزمين الإسلاميين، وإنما يستثيرون الشعوب كلها على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم بطريقة حكمهم الظالمة وهذا ما يوجد المعارضة تجاه الظلم والتحرك الجماهيري في أدنى مناسبة.
وفي ظل الأوضاع المأساوية لبعض البلاد العربية والإسلامية يعاني ويعايش شباب الأمة التطورات الهائلة في العالم من حولنا عالم أميركا وأوروبا، تطورا في شتى مناحي الحياة ويعاينون هذا التقدم العلمي والاجتماعي والتقدم في عالم الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة ويقرنون بين هذا الواقع الحضاري والحريات التي كفلت الشعوب تلك البلاد كرامتهم وعزتهم ويدركون ان وراء ذلك كله قيادات مدنية تدير البلاد بكفاءات علمية راقية منحت مساحة من الحرية، حرية الرأي والفكر.
أعتقد ان هذه العوامل مجتمعة، التوجه الإسلامي، الأوضاع المأساوية والكبت والظلم ومقارنتها بأحوال الأمم الراقية أوجد حاجة نفسية داخلية ملحة الى حد الضرورة تنشد التغيير على كل المستويات، مستوى الأفراد والجماعات والأمة.
أعتقد ان التحرك الشعبي كان لابد منه حين بلغ السيل منتهاه، وبرائحة كريهة تأباها النفوس والهمم العالية السامية، ولم يعد للصبر مكمن، فكانت الشرارة الصغيرة كفيلة بإشعال الساحة بأكملها، وستكون في العواصم العربية في الشرق وشمال أفريقيا والعالم العربي والإسلامي ممن تعاني شعوبها الظلم والاضطهاد والحكم السلطوي العسكري أو حكم ظالم آخر بالأمس كان في تونس واليوم في مصر وإن غدا لناظره قريب.
ولا ريب ان جو الحريات ومناخ التحرر، هو المناخ والجو الذي يشيع فيه الإسلام ويشع نوره، فأي إزاحة لظلم هي مساحة لنور الإسلام لأنه دين التحرر من الظالمين ودين السمو والتقدم والعزة الإيمانية.
الظلم والجبروت
ما دور المظاهرات أو الثورات في سقوط النظم، أقصد النظم العسكرية؟
النظم العسكرية لا يزيل ظلمها وجبروتها وتسلطها إلا أمران: انقلاب عسكري، فيستبدل الظلم والجبروت بمثله أو أسوأ منه، وإما مظاهرات سلمية شعبية تتحول الى ثورة عارمة، وهي الأسلوب الأنجع في تغيير العسكر واستبدال العدل والمساواة بالظلم والجبروت، والتاريخ إنما يكتب بداية تقدم الأمم، وسلوك طريق الرقي والتقدم وتحقيق رفاه الشعوب حين يتسلم زمام الحكم وقيادته الأيدي المدنية المثقفة النظيفة، ويتفرغ العسكر لمهمتهم السامية الشريفة في حماية الوطن ومكتسباته.
وتاريخ اوروبا شاهد على ذلك، فالقيادات العسكرية هي التي قادة التحرر الوطني من الاستعمار ثم سلمت الادارة الى المدنيين، ومن بقي في الحكم أزاحته المظاهرات والثورات الشعبية، وهكذا الحضارات لا ينهض بها الا المدنيون، اهل العلم والتخصصات، وما يؤدي بها الى التخلف والهلكة الا العسكر او حكم مستبد ظالم وانظر الى واقع الدول اليوم تجد صدق هذه المقولة انظر الى تركيا في قيادة العسكر والقيادة المدنية، وانظر الى تقدم ماليزيا، وهما خير مثال في مجال الدول الاسلامية.
مظاهرات مصر وتونس
هل ادت هذه المظاهرات والثورات في تونس ومصر دورها وهل كان دورها ايجابيا ام سلبيا؟
هذا مما لا ينبغي الاختلاف فيه: فإن الواقع يشهد ان اوضاع تونس اليوم افضل مما كانت عليه ايام العسكر، صحيح ان التغيير نسبي ولكنه نسبي ايجابي، وامامهم طريق طويل للوصول للأمثل لكنه تغيير ادخل على الناس الرضا وحاز القبول، وكذلك الوضع في مصر المظاهرات السلمية الشعبية التي تحولت الى ثورة شعبية غيرت الوضع الى الافضل بلا ريب، والمأمول أعظم والمستقبل مشرق امام مصر.
ودور المظاهرات ونجاحها في التغيير انما يدرك مداه المحللون السياسيون اكثر من غيرهم، وبخاصة في مصر، فمصر رأس حربة المسلمين اجمعين، وتأثيرها الاسلامي خير شاهد، ومن هنا تحسب لها اميركا واوروبا واليهود حسابا ليس لغيرها، فارتفاع رأس مصر رفعة للمسلمين، وكل مستقبل مشرق لها يعم اشراقه العالم الاسلامي، ولأمر ما قال الشاعر عن مصر حين تنطق:
انا ان قدر الإله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
وهم يدركون ان التغيير في مصر تغيير في المنطقة، ونحسب وندعو ان القيادة المصرية المقبلة لن تكون قيادة تطبيعية مع اسرائيل، كما انها لن تكون او هكذا ينبغي الا تكون قيادة طوعية ذليلة لاميركا، وانها ستتبنى اسلوب العزة والبناء الحقيقي ولو لم تتبن الاسلام منذ يومها الاول منهجا، لكنها ستجد نفسها على مساره يوما ما، وستجد نفسها على النهج التركي الناجح، بل افضل منه، وهذا بلا ريب مكسب اسلامي على كل حال.
طاعة ولي الأمر
ما رأي فضيلتكم في الردود والحوارات بشأن موضوع «طاعة ولي الأمر» وموضوع المظاهرات التي كان بداية اختلاف الرأي من مقالكم حول «طاعة ولي الأمر»؟
نعم اطلعت على العديد من الردود من المعارضين والمؤيدين لموضوع طاعة ولي الأمر، ولموضوع المظاهرات ومدى شرعيتها بين مؤيد مبيح ومعارض محرم، وسعدت كثيرا واستبشرت خيرا، لان الموضوع حقق غرضه من ايصال معلومة او رسالة الى القراء الكرام بأن هذين الموضوعين فيهما وجهات نظر محتملة الصحة، وان الاختلاف فيهما سائغ ورسخ في ذهن القارئ بعض المفاهيم، فطرح الرأي والاختلاف يترك للقارئ ان يتخير بين الاتجاهين ما يرى انه مقنع من حيث ادلته واستشهاداته، فاعتقد ان هذه ظاهرة طيبة ان يختلف الفقهاء او العلماء وحتى طلبة العلم، ويدلي كل بحجته، ولكن الذي كدر الصفو ان بعض الكاتبين من الجانبين اتبع طريق التسفيه للرأي المخالف، وتخلل عباراته ما لا يليق من المنابزة والهمز واللمز والتصريح والتجريح، منطلقا من ان رأيه صواب قطعا لا يحتمل الا الصحة ورأي المخالف خطأ لا يحتمل الصواب فتدنى في الاسلوب الى حد بعيد، فأهان العلماء بأسمائهم، وما يدري انه يهدي من حسناته للغير، وكان اكبر الحاصدين للحسنات الشيخ يوسف القرضاوي هذا ما كدر، وما عداه فكان حوارا راقيا فجزى الله الجميع مؤيدا او معارضا خيرا.
نختتم هذا اللقاء بسؤال مهم ما رأي فضيلتكم في تقييم المظاهرات في الميزان الشرعي نقصد بالنسبة للمشاركين في هذه المظاهرات في تونس ومصر؟
انا اعتقد مطمئنا الى ان الميزان الشرعي او الحكم الشرعي لهذه المظاهرات والمشاركين فيها ممن لم يرتكبوا تخريبا او افسادا يقتضي القول بأنهم مأجورون على ما بذلوا من جهد وتضحية وبذل من وقتهم وأموالهم وأعصابهم، فأجرهم على قدر ما بذلوا، وما تحقق لهم ولغيرهم ولأمتهم من خير ومصالح في الاطاحة بالظلم واعوانه، آثار تعود ليس على مصر فحسب بل على الامة الاسلامية، فالاجر فرع صحة ما قاموا به من الناحية الشرعية، فالوسيلة مشروعة وهدفها الذي تحقق شيء منه مشروع، فالمظاهرات قد حققت مصالح لا ريب، لا لمصر فحسب بل للامة العربية والاسلامية، ودفعت مفاسد لا ريب لا عن مصر فحسب بل عن الامة العربية والاسلامية، وحيثما كان ذلك كذلك فثم شرع الله، فشرع ربنا تحقيق مصالح ودفع مفاسد، وليس بعد الشرع والعقل والواقع من مستمسك لاحد، ولو كنت بينهم لوجبت نصرتهم والهتاف معهم، ولكن وجبت الدعوة لهم ولمصر العروبة والاسلام، ان يعيد الله مصر الى سدة الريادة الاسلامية فالعالم الاسلامي احوج ما يكون الى قيادة.
واذا قلنا ان المظاهرات حرام وباطلة فإن ما قاموا به غير جائز ويستحقون عليه الاثم، فهم آثمون، وفي تأثيم الملايين نظر وحرج اذ لا تجتمع الامة بملايينها هذه على ضلالة، ولا أظن عاقلا مصريا او مسلما لم يفرح بإزاحة الظلم واعوانه في تونس ومصر، فكيف لا يكون لمن كان سببا في هذا الخير من خير، اسأل الله الا يحرمهم الثواب والاجر.